جمال الدين الأفغاني
ما بين الحقيقة و الاسطورة
كُتبت في ٢٥ ابريل ٢٠١٦
قصة اليوم عن شخصية اعلم ان البعض هنا انتظر طويلاً لكشف حقيقتها و ان كنت أتمني ان اضعها ضمن سلسلة الطريق الي الشيطان "صنع في مصر" غير ان أشعر برغبة ملحة في الكتابة عنها اليوم تزامناً مع الاحداث المتسارعة و التي يراد بها توحيد الاديان في دين وثني جديد و سيستغرب البعض ان هذا نتاج فكر هذه الشخصية "المُبجلة" بالكذب و التزيف. شخصيةاليوم هي شخصية الأمام محمد عبده! اعرف ان الاسم صدمك قبل ان تقرأ ، ففي مصر يشعرونك ان الاسلام كان شيئاً قبل ما محمد عبده و بعده اصبح شيئاً آخر و انه الامام المجدد و الامام العبقري و الامام الرباني و هو بعيد كل البعد عن ذلك كله و هو ليس الا سلسلة في تلك الحلقة التي صُنعت في مصر لتفسد علي المسلمين دينهم في العالم كله، و انا اعلم انني لو ذهبت الي اي دولة اسلامية و تكلمت عن حقيقة محمد عبده لن يستمع الي احد و ربما قتلوني دفاعاً عنه و هذا اكبر سبب يجعل اي باحث عن الحقيقة يبحث خلف محمد عبده، فكيف كانت البدأية و نتاج البحث؟
البيانات الرسمية لمحمد عبده تقول ان محمد بن عبده بن حسن خير الله ولد سنة ١٢٦٦ هجرياً الموافق ١٨٤٩ ميلادياً في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة لأبٍ كان جَدّهُ من التركمان، وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية. و إنه قد درس في طنطا إلى أن أتم الثالثة عشرة حيث التحق بالجامع الأحمدي و من ثم الازهر! غير ان مصادر غربية عديدة تذكر ان اصل ابيه كردياً و ليس تركمانياً و هذا يفرق كثيراً خصوصاً اذا ما عرفنا ان ابيه ورث العمودية (كان عمدة يعني) عن جده الكردي الذي عينه محمد علي في هذا المنصب و نحن نعرف الآن ان محمد علي ما كان يختار الا حثالات الناس و اعداء الاسلام لتعينهم في مركز التحكم في المصريين المسلمين! و قيل إيضاً في جذور والدته انها كانت من الأشراف و أظن إني كتبت من قبل بوست خاص عن أكذوبة الأشراف و عن الاصل الحقيقي لهؤلاء الذين يدعون انهم اشراف في مصر، المهم ان محمد عبده نشأ في بيتاً مشبوه، ورباه شيخ مشبوه هو جمال الدين الأفغاني فكانت النتيجة ان زرعه الإنجليز في أعلى منصب في مصر، وأخلوا بينه وبين الشعوب ليتكلم إليها كيف شاء و صُنعت له تلك الاسطورة التي تجعل نقده الي اليوم شئ مُحال! فبعد فشل الحملات الصليبية على البلدان الإسلامية، قرر الغرب المسيحي المتعصب تغيير أسلوبهم بعدم حمل الصليب في حروبهم الجديدة في ارض العرب و المسلمين ،بل أن يأتوا الي بلادنا على أنهم علمانيون و ليبراليون و يريدون تحريرنا و تحرير عقولنا وأن هدفهم تطوير ودعم اقتصاد بلادنا العربية، و اعادة الخلافة لها من هؤلاء العثمانيون (المحتلين الجبابرة) و بالفعل نجحوا في هذا وبالتحالف مع بائعي الذمم من "أهل العلم" بل خلق طبقة او نخبة باسماء مسلمة و اصل مسلم (وان كان في شك في هذا الاصل) فتكون لهم خداماً و يعاونونهم علي تدمير العقلية الاسلامية و التشويش علي الرؤية عند المسلمين ، فاختاروا منهم لمصر هذا ال محمد عبده، وتحالفوا معه. و يعتبر محمد عبده نقطة مهمة في مسيرة التغريب،فهو أول من تكلم بحاجات الغرب الفكرية على أنها مطالب شرعية! فمحمد عبده يعتبر من الناحية الفكرية او العقائدية من طائفة المعتزلة التي تحكم العقل على النص و تغلو في ذلك ولكي تتعرف على مدي إعتزاليته راجع فقط تفسيره للملائكة والجن والطير الأبابيل وخلق آدم في كتبه و بقلمه هو نفسه، لدرجة انك هتدعم عندما تعرف ان اللورد كرومر الحاكم العسكري لمصر قال عنه:"أشك أن صديقي عبده كان في الحقيقة لا ادرياً" هل تعرف معني كلمة "لا أدرياً"؟ ان معناها انه لا يدري هل الله موجود او لا، شبه مُلحد يعني
في سن الثامنة والعشرين -اي في عام ١٨٧٧- قام جمال الدين الأفغاني بضم محمد عبده الي محفل كوكب الشرق الماسوني. وكان من بين أعضاء هذا المحفل الأمير توفيق ، ابن الخديوي اسماعيل ووريثه ، وشخصيات قيادية مثل محمد شريف باشا ، الذي كان وزيراً ، وسليمان أباظة باشا و شاب صغير كان يعمل مع جمال الدين الافغاني في جريدة الوقائع المصرية قبل ان ينتقل إلى وظيفة معاون بوزارة الداخلية و كان أسمه سعد زغلول و سييُصنع له فيما بعد اسطورة هو الآخر ! و يومها أعلن اللورد أ. م. برودبنت في المحفل أن "الشيخ عبده ليس متعصبًا خطيرًا أو متحمسًا دينيًا لدينه، لأنه ينتمي إلى أوسع مدرسة للفكر الإسلامي ، ولديه عقيدة سياسية شبيهة بالجمهورية الخالصة ، و ان السيد محمد عبده سيدًا متحمسًا بشدة للمحفل الماسوني" و تماشيًا مع مبادئ الماسونية ، سعى عبده إلى تشجيع الوحدة مع جميع التقاليد الدينية. و قال في ذلك بالنص: " أتمنى أن أرى الديانتين العظيمتين ، الإسلام والمسيحية يدا بيد ، يتعانقان بعضهما البعض. ثم تصبح التوراة والإنجيل والقرآن كتبا تدعم بعضها البعض تقرأ في كل مكان ، وتحترمها كل أمة. " وأضاف أنه "يتطلع إلى رؤية المسلمين يقرؤون التوراة والإنجيل". هل صدمك هذا الكلام؟ أنتظر قليلاً فالاسوأ لم يأتي بعد و انت لا تعرف ان محمد عبده أسس أثناء فترة وجوده في لبنان جمعية سرية! ففي عام ١٨٧٩ و بسبب ما يُسمي ب"نشاطه السياسي" ، تم نفي جمال الدين الأفغاني ونفي محمد عبده إلى قريته. و الغريب انه و في العام التالي تم منحه منصب في الجريدة الوطنية "الوقائع المصرية" لكي يستخدمه كوسيلة لنشر أفكاره المناهضة للاستعمار ، والحاجة إلى إصلاحات اجتماعية ودينية حتي وقع تمرد عرابي و من معه و بالرغم ان محمد عبده كان متحفظاً و لم يشارك في هذا التمرد في بدأيته الا انه سرعان ما تم نفيه من مصر من قبل البريطانيين بعد ان احتلوا مصر في عام ١٨٨٢ و كان النفي لمدة ست سنوات ، والغريب في حيثيات حكم النفي انه استشهد بتصريح لمحمد عبده يقول فيه أنه "يجب السماح لكل مجتمع باختيار شكل مناسب من الحكم على أساس تاريخه وحاضره" و طبعاً هذا التصريح عائم و ربما يكون معناه غير ما يفهمه المتلقي بالكلية! فربما يكون المقصود بالشكل المناسب هو الشكل الحداثي الغربي البعيد عن روح الاسلام و هو ما اثبتت افعال محمد عبده و ما حدث في مصر من تغيرات اجتماعية و سياسية انه كان المقصود. أمضى عبده عدة سنوات في ما كان يعرف وقتها باسم "لبنان العثماني" قبل استحداث دويلة "لبنان الكبير" و اقام تحديداً في بيروت و هناك ساعد في تأسيس نظام تعليمي إسلامي جديد كان نتيجته الفهم اللبناني الحديث لمفهوم الدين الاسلامي. و لم تقف اعمال محمد عبده التخريبية في لبنان عند ذلك فقد كان مثل أستاذه الافغاني مرتبطًا بالديانة البهائية و اصحابها و الذين بذلت جهودًا متعمدة لنشر دينهم في مصر ، وأقام عدد من اتباعها و مبشريينها في الإسكندرية والقاهرة بدءًا من أواخر ستينيات القرن التاسع عشر. و يؤكد محمد رشيد رضا أنه خلال زياراته لبيروت ، كان عبد البهاء يحضر جلسات محمد عبده الدراسية. و هذه المعلومة نجدها في كتاب خوان كول الصادر في ١٩٨١ بعنوان "محمد عبده و رشيد رضا- حوار حول العقيدة البهائية او بالانجليزية Cole, Juan R.I.- "Muhammad `Abduh and Rashid Rida: A Dialogue on the Baha'i Faith" و في هذا الكتاب نقرأ إيضاً عن لقاء عبد البهاء بالرجلان في وقت كانت لهما أهداف مماثلة للإصلاح الديني وكانا في معارضة العلماء العثمانيين و بالطبع الحكم العثماني او الخلافة الاسلامية في المُطلق. و فيما يتعلق باجتماعات عبد البهاء ومحمد عبده ، يؤكد شوقي أفندي رباني حفيد عبد البهاء و الذي تولي شؤون الأمر البهائي عام ١٩٢١ ميلادياً حسب وصية جده عبد البهاء عباس بالنص أن "المقابلات العديدة التي أجراها مع الشيخ المعروف محمد عبده ساهمت إلى حد بعيد في تعزيز مكانة المجتمع المتنامية الذي انشأوه معاً ونشر شهرة أكثرها في الخارج. لقد كان عضو مميز ". وفيما يبدو ان الحب و الاحترام كان متبادل ففي إشارة إلى تفوق حضرة عبد البهاء في العلوم الدينية والدبلوماسية ، قال عنه محمد عبده:" إنه أكثر من مجرد رجل عظيم ، إنه الرجل الذي يستحق أن يُطبَّق عليه اللقب " هذا الكلام ستجده في مصادر اخري مثل (Scharbrodt, Oliver (2008). Islam and the Bahá'í Faith: A Comparative Study of Muhammad 'Abduh and 'Abdul-Baha 'Abbas و كتاب شوقي افندي رباني نفسه الصادر في ١٩٤٤ باسم Effendi, Shoghi "God Passes" و الحقيقة ان العلاقة المشبوهة التي كانت بين عبد البهاء و محمد عبده كانت علاقة ثلاثية يدخل فيها اسم ثالث و هو القس الانجليزي المتعصب إسحاق تيلور و الذي كان يعمل علي تنصير مسلمي لبنان بشدة و نشأ عن هذه العلاقة جمعية سرية هدفها هو الدعوة لتوحيد الأديان و للاسف انضم الي هذه الجمعية عدد من علماء دمشق و كان محمد عبده يدافع عن القس اسحاق تيليور و عن نشاطه التنصيري قائلاً "إن السر في غضب السلطان عبدالحميد من نشاط القس الإنجليزي إسحاق تيلور في الدعوة لتوحيد الأديان وموافقتي وميرزا باقر وعلماء دمشق له ومراسلتنا أياه، انه -اي السلطان عبد الحميد- يخشي أن يعتنق الإنجليز الإسلام، ثم يطلبوا أن يكونوا أصحاب الدولة في الإسلام وتكون الملكة فيكتوريا ملكة المسلمين و له"!!!!
في عام ١٨٨٤ انتقل إلى باريس حيث انضم إلى الأفغاني الذي طلب الاذن من انجلترا في نقل محمد عبده معه في باريس و معاً بدأوا في نشر العروة الوثقى ، وهي مجلة "ثورية إسلامية" تروج في ظاهرها للآراء المعادية لبريطانيا و لكنها كانت في حقيقتها لسان حال الجمعية السرية التي عرفت أيضاً بهذا الاسم نفسه جمعية العروة الوثقى ولم يكن يتاح لأعضاء الجمعية البوح بواحد من أسرارها حسب المادة ٢٦ من دستور الجمعية:«لا يباح لأحد من رجال العقد أن يذكروا شيئاً من أحوالهم ومقاصدهم ومذاكراتهم عند من ليس من مقصده في شيء، بل لا يباح التصريح باسم العقد وأهله إلا لمن حصلت له الثقة بحاله عند رجال العقد.» ولم يُقدم محمد رشيد رضا على فتح ملف هذه الجمعية حتى أصبحت كما يقول من الحوادث التاريخية حيث نشر دستور هذه الجمعية عام ١٩٣١ وذيله بذكر اليمين الذي كان يحلفه المنتسب إليها، وهو من وضع محمد عبده نفسه و الغريب ان الانجليز ساعدوهم علي نقلها لمصر و نشرها و نفس الانجليز نقلوا محمد عبده الي بريطانيا وناقش حالة مصر والسودان مع كبار المسؤولين. في عام 1885 ، بعد إقامة قصيرة في إنجلترا وتونس ، عاد إلى بيروت و عمل كمدرس في المدرسة السلطانية وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى (المعلومات السابقة مصدرها الموسوعة البريطانية نفسها "'Abduh Muhammad". In Hoiberg, Dale H. Encyclopædia Britannica ) وكان محاطًا بعلماء من خلفيات دينية مختلفة ليسوا مسلمين و مسيحيين و يهود فقط انما كل عقيدة و بدعة و خلال إقامته هناك كرس جهوده نحو ما أسماه هو نفسه تعزيز الاحترام والصداقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية
وفي عام ١٨٨٩ عاد محمد عبده إلى مصر بعفو "ظاهري" من الخديوي توفيق، ووساطة تلميذه سعد زغلول وإلحاح من الأميرة نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو وقد كان، وقد اشترط عليه كرومر ألا يعمل بالسياسة فقبل. و طبعا هذا كله ليس سوي التمثيلية المعتاد في صنع الزعامة او الاسطورة، فمحمد عبده بمجرد ان وصل الي مصر تم تعينه قاضياً بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم ارتقى إلى منصب مستشار في محكمة الاستئناف و كل ذلك في فترة تقل عن العامين فقد وصل الي منصب مستشار محكمة الاستئناف في ١٨٩١ و بعيداً عن اكذوبة ان اللورد كرومر قد اشترط عليه عدم العمل بالسياسة فان الإنجليز قد افسحوا له المجال ليتكلم إلى الشعب المصري من أعلى المنابر في مصر ، وأكثرها قبولاً لدي العامة وهو منبر الإفتاء. وقد صرح اللورد كرومر نفسه بأن "الشيخ محمد عبده سيظل مفتياً في مصر ما ظلت بريطانيا العظمى محتله لها" كما صرح بذلك في كتابه هو نفسه بالنص و قد كان فسرعان ما تم تعينه مفتياً بناء على توصية من المندوب السامي البريطاني اللورد الكروموسوم و الذي رأى "إمكانية في التفاهم مع عقلية محمد عبده دون عن باقي علماء و مشايخ الازهر" و بالمناسبة هذه الجملة التي جاء ذكرها في كتاب كرومر جاء فيها عبارة غريبة و هي "في حالة عودته من منفاه الي مصر" و هذه العبارة تؤكد علي ان امر العفو كان اكذوبة و ان التحضير لتولي محمد عبده هذا المنصب جري منذ ان كان يجلس علي حجر القس الانجليزي اسحاق تيليور في بيروت. و يفاجأون كرومر في نفس كتابه هذا المسمي ب " مصر الحديثة" بقوله :" إن العفوصدر عن محمدعبده بسبب الضغط البريطاني" ان امر العفو قد صدر من انجلترا للورد كرومر و هذا معقول اذا ما تذكرنا زيارته لانجلترا و مناقشته حالة مصر والسودان مع كبار المسؤولين هناك و لا يجب علينا ان نغفل ان تعينه مفتياً في ١٨٩٩ جاء بالتزامن مع ثورة المهدي في السودان و اتفاقية السودان في ١٨٩٩ (انظروا و تعلموا كيف يتم اعداد العملاء و كيف ان الاسماء الضخمة في بلادنا مجرد طراطير و كومبارسات و تعلموا من هذا) و يكمل اللورد كرومر في كتابه قائلاً عن محمد عبده " بعد عودته لمصر أصبح محمد عبده على قناعة بضرورة التعاون والتفاهم مع البريطانيين" و صدق كرومر فلقد أصبح بالفعل أقرب إليهم من الخديوي عباس الذي بدأ في حكم مصر بعد موت توفيق و تدريجياً تخلي محمد عبده حتي عن افكار مشروعه الثوري والتحرري الذي اتخذه ستاراً و راح يصدر الفتاوي التي تعجب الانجليز و الذي يعتبرها السُذج الي الآن فتاوي مجددة للاسلام و الحقيقة ان اجدادنا الذين عاصره ما كانوا خونة و لا كانوا سُذج فقد شهدوا علي محمد عبده بقربه الشديد من الانجليز ، فها هو يوسف الغزال مثلا في تقديمه لرسالة التوحيد يفسر سوء العلاقة بين الشيخ والخديوي عباس بقوة علاقة الشيخ بالإنجليز وكثرة تردده عليهم و علانية امتدحه الإنجليز ورضاهم عن كل أقواله وأفعاله و كيف انهم وقفوا وراءه يغدقون عليه الألقاب مثل الامام المجدد و العقلية الرهيبة و راحوا ويرسلون فتواه في كل مكان لتصنع له اسطورة في جميع انحاء العالم الاسلامي! شاهد آخر على قوة علاقته بالانجليز كان مستشار القضاء الإنجليزي بمصر، الذي ذكر في تقريره عن المحاكم لسنة ١٩٠٥ وهو العام الذي توفى فيه محمد عبده فقال فيه: "أبدي أسفي الشديد على الخسارة الفادحة التي أصابت هذه النظارة بفقده" إلى أن يقول:" وفوق ذلك فقد قام لنا بخدمة جزيلة لا تقدر في مجلس مجلس شورى القوانين في معظم ما أحدثناه أخيراً من القوانين المتعلقة بالمواد الجنائية، وغيرها من الإصلاحات القضائية" شاهد ثالث أيضا و هو المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر و الذي كان قد اصبح صديقاً حميماً لمحمد عبده و الذي أنشئ معه كلية لتخريج قضاة الشرع المسلمين يدرس فيها مجموعة من العلماء ذوي الطابع التحرري والتي يقول عنها: "إنها كلية أثبتت نجاحها من كل الوجوه" و يتحدث عن ذلك في تقريره لحكومته عام ١٩٠٥ فيقول: (و لقد وضعت هذه المعلومات تحت تصرف لجنة ذات كفاية ممتازة يرأسها المفتي الأكبر السابق "محمد عبده") و لعلكم يا اصدقائي لا تدركون ما هي جرائم فتوي محمد عبده علي وجه الدقه و لهذا فإنني سألتوا عليكم بعض منها. لقد كان محمد عبده هو أول من أفتى بإباحة الربا في شكل صناديق التوفير متعمداً و ذلك على مفهوم الآية من أنه لم يحرم من الربا إلا الأضعاف المضاعفة فقط و ليست الفائدة سواء ١٢٪ او ١٨٪ او حتي ٩٠٪ ، فما دار المبالغ ليست مضاعفة فهذا ليس ربا!!! و كان محمد عبده مسانداً لقاسم أمين في كتابه "تحرير المرأة "عندما أصدره، و يقول الأديب لطفي السيد في كتابه قصة حياتي:(إن قاسم أمين قرأ عليه وعلى الشيخ محمد عبده فصول كتاب "تحرير المرأة"في جنيف عام ١٨٩٧ اي قبل أن ينشره على الناس " و نادى محمد عبده بتحريم تعدد الزوجات عملاً بحديث لا ضرر ولا ضرار! و محمد عبده هو أول من طرح فكرة الحاكم العادل المستبدّ! الذي سيحكم مدة ١٥ سنة مثلا دون مقاومة ،حيث قال في مقال له: "إن مستبداً عادلاً هو الحل لمشكلات المشرق" وذاك لحمل شعب مصر وتدريبهم على طرائق الحكم العصريه والبرلمانية و للاسف مازال بعض الجهلاء المتعاقبون يقولون هذا في يومنا و هو من افضح الكذب و التضليل و في الحقيقة ان "نظرة" محمد عبده هذه تتوافق مع نظرة المستعمر البريطاني ، حيث يقول صديقه اللورد كرومر: "ما أن تشرح للمصري ما عليه أن يفعل فإنه سيفهم الفكرة بسرعة ، فالمصري مُقلد جيد ، سينجز نسخة أمينة وتكاد تكون مطابقة لعمل راعيه الأوروبي ، فهو مستعد لأن يقبل تعاليم ولغة الأنظمة الإدارية الأوروبية ورطانتها إن لم يفهم روحها ومعناها" و محمد عبده هو الذي صاغ برنامج الحزب الوطني المصري القديم الذي اعاد احياه فيما بعد السادات و مبارك وجاء فيه في المادة الخامسة منه "الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب ، وجميع النصارى واليهود وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليها" كان هذا جزء يسير من جرائم محمد عبده في حق مصر و الاسلام فتعالوا انظروا كيف كانت نتائج ثمار دعوة محمد عبده؟
لقد جنى الإنجليز ثمار دعوة الشيخ، وذلك على مستويين: الأول هو على مستوى عوام الناس حيث اتخذت الشعوب أفكار الشيخ وفتاويه مبرراً نفسياً لتقبلها للتغير العلماني المتدرج في الدول العربية! و اما المستوي الثاني: فقد كانت افكار الشيخ محمد عبده حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي ، ومن ثم يتركها الي المخطط الصهيوني الصليبي العالمي، واتخذها جسراً عبر عليها إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي، وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية،بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة الإسلامية والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة ، وإستيراد النظريات الاجتماعيةالغربية ، وهو ما تم جميعه تحت ستار الإصلاح! وختاما فقد مرّ مئة عام على وفاة محمد عبده، ولم نجنِ من مشروعه الإصلاحي إلا الشوك و اريد اطلب من الاصدقاء عدم صب اللعنات علي محمد عبده و لا غيره، فقط اريد ان نتعلم اكثر و ندرس هذه المرحلة جيداً و نخرج بمجموعة من الدروس تمنعنا من عدم السقوط في الخطأ و تساعدنا علي كشف اي اسطورة قبل صناعتها و تضيع الفرصة عليها و علي من يقف وراءها، و ادعو الله ان يردنا الي ديننا رداً جميلاً و ان يجعلنا سبباً في نصرة دينه
ولد أحمد البنهاوي في بنها العسل و قد سميت بذلك الأسم لان المقوقس ملك مصر كان قد ارسل من ضمن هداياه للنبي محمد صلي الله عليه و سلم بعد ان استلم رسالته زلعة من عسل النحل من ضمن هداياه ، فقبلها النبي الكريم و لما تذوقها ابدي أستحسانه و قال من اين هذا العسل؟ فقيل له صلوات ربي عليه و تسليماته "أنه من قرية في مصر يقال لها بنها، فقال صلي الله عليه و سلم : "بارك الله في بنها و في عسلها" و من يومها أصبحت بنها تُعرف باسم بنها العسل.
و كان أحمد البنهاوي رجالاً عالماً باللغة و الحديث و التفسير، فصيح اللسان، شجاع القلب، و كان قد أخذ علي عاتقه تعبئة الجماهير في القاهرة ضد الحكم العباسي -تقدر تقول كده حازم ابو اسماعيل العصر ده-و سافر احمد البنهاوي من القاهرة الي بنها ثم عاد الي القاهرة ماراً بعرب برشوم و العمار و قيلوب و استطاع ان يبذر هناك خلايا ثورية هنا و هناك و ان يمد ها ببعض المال الذي استذاع ان يجمعه لشراء السيوف و الخناجر و الحراب -لو كان عمل ده دلوقتي كان اتقبض عليه بتهمة تمويل النشطاء السياسيين- و قيل ان أغلب هذه الأموال التي جمعها البنهاوي رحمه الله قد جاءته من السيدة نفيسة و الامام الشافعي. و في الحقيقة ان احمد البنهاوي كان شديد الذكاء ، عظيم في التخطيط الاستراتيجي و لو ان الخطة التي رسمها احمد البنهاوي قد سارت في الطريق الذي رسمه لها لنجحت الثورة و حققت اهدافها، و لكن التاريخ و القدر ليسا علي هوي المخططين، فقد وقعت حادثة غريبة أودت بحياة الرجل الشجاع و المجاهد العظيم أحمد البنهاوي قبل قيام الثورة بايام قليلة و لم يخطر علي بال اي شخص و لا البنهاوي نفسه ان هذا قد يقع
فالذي حدث هو أن مجموعة من قطاع الطرق أنقضوا علي قافلة تجار بالقرب من قيلوب، فهرعت الي هناك مجموعة من فرسان حرس الوالي العباسي لتعقب اللصوص، و حدث ان كبسوا علي قليوب و كان بها احمد البنهاوي في بيت منعزل مع فريق من اصحابه و معهم السيوف و الحناجر و الحراب من تلك التي اعدواها للثورة -ياعيني علي الحظ المنيل-فظنهم العسكر قطاع الطرق الذين نهبوا القافلة، فنشبت بينهما معركة شرسة أنتهت بمقتل أحمد البنهاوي و رفاقه و كان عدداً من العسكر قد ماتوا و جرح عدد كبير منها من شدة القتال!! لن تكن المعركة مقصودة و لكنها اصبحت اول معارك الثورة ، فالثوار الذين امدهم أحمد البنهاوي بالسلاح قد اشتاطوا غضباً عندما علموا بمقتل البنهاوي و رفاقه، فاشتعلت المعارك في كل بر مصر ووجد العباسيين و عساكرهم الثوار يآتون لهم بالسيوف و الرماح و الحراب من كل جهة و من كل شارع و حارة و عندما وصلت الثورة الي القاهرة او الفسطاط فر الوالي هارباً الي حلوان و حدث الانفلات الامني، و طارت الثورة الي بنها و طندتا -اللي هي طنطا- ثم طارت الي كل مكان حتي وصلت الصعيد و لم يكن للعباسيين وجود كبير في الصعيد فكان الناس في الصعيد يشكلوا ظهر الثورة و حاميتها و كان الناس في الصعيد ينتظرون اي اشارة او مناسبة ليشعلوا نيران الثورة و يسحقوا عسكر العباسيين. و لكن وفاة احمد البنهاوي او مقتله كان فعلاً حدث عظيم، و له اثر أعظم، فهذه الجموع التي أنطلقت هنا و هناك تثور و تزأر كالاسود كانت تسير بلا قيادة و بلا خذذ بعد مقتل الرجل الكبير احمد البنهاوي...لقد كانت الثورة تفور و تجتاح الشوارع و الميادين و لكنها كانت ثورة بلا رأس....و لا خطط....و لهذا كان مصير الثورة لابد ان ينتهي الي الفشل -وهذا ما اخشاه علي اي حراك ثوري الآن-و استطاع المأمون ان يعيد القبضة الحديدية علي مصر و المصريون مرة اخري بعد ان هذن الثورة
ربما كانت هناك بعد المكاسب التي حققها المصريون من خلال الثورة هذه، فلقد استطاع المصريون ان يعبروا عن رأسهم في نظام الحكم العباسي بطريقة جعلن الخليفج نفسه يآتيهم علي ظهر حصان و يقود حملة عسكرية كاملة،،،،،و بالرغم من القتل الدي فعله عسكر الخليفة الا انه قام برفع بعض المظالم و قرر سجن الوالي الظالم الذي كان سبب ثورة المصريين، و منع الاعتداءات و ارسي بعض قواعد الادارة و الحكم في البلاد، لعل اهمها كان "أرتباط رجل الدين بالزعامة و السياسة" - معلش هقولها تاني- أرتباط رجل الدين بالزعامة و السياسة و سيصبح كل زعماء مصر فيما بعد من رجال الدين و اذا اعادنا كتابة التاريخ مثلما فعلت اليوم سنكتشف ان اغلب -ان لم اقل كل- مشايخ مصر الكبار و اصحاب الاضرحة الكبيرة و الموالد المزدحمة هم في الحقيقة زعماء سياسيون قبل ان يكونوا رجال دين، و انهم كانوا دائماً في صفوف الجماهير ضد الحاكم او الوالي او العسكر، و كلهم بلا استثناء من اول السيدة نفيسة و الامام الشافعي و الي الحسن الشاذلي و المرسي ابو العباس و سيدي احمد البدوي و الشاطبي و القباري و ابراهيم الدسوقي و عمر مكرم، كلهم قاوموا السلطة الغاشمة و الملك العضوض و بعضهم حمل السيف بنفسه و حارب الغزاة و قاد المقاومة بنفسه، اما المشايخ الذين اكتفوا بالتسابيح و التفسير و التسول من الاثرياء و الولاة، فلقد كنسهم التاريخ و القي بهم في اقذر سلات القمامة و القي بهم المصريون من ذاكراتهم فتاهوا في غياهب النسيان. و لعلك لهذا السبب يا عزيزي لا تعرف قصصهم و ذلك حتي يستطيع النصابيين و سماسرة الطغاة و كلاب السلاطيين ان يقولوا لك "لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين" و قد كذبوا قبح الله وجوههم!
بقي شيئاً طريفاً اريد ان اقوله من احداث هذه الثورة، و هي أمه و عندما حضرت الوفاة شيخ مصر الكبير و الثائر الشجاع الامام الشافعي، أوصي أهله و مريديه بأن يتولي غسله والي مصر و لا احد سواه، فلما مات رحمه الله ابلغوا الوالي وصية الامام، فحضر الوالي و سأل اهل بيت الامام الشافعي هل عليه دين؟؟ فقالوا نعم عليه اربعون الف دينار ديوناً، فقال الوالي "هذا هو غسله" و قام الوالي بتسديد هذه الديون.....و العجيب و الغريب او المضحك في الأمر أن هذه الذيون كانت هي الاموال نفسها التي امد بها الامام الشافعي احمد البنهاوي رحمة الله عليهما للاعداد بالثورة ضد الوالي و الحكم العباسي كله
رحمة الله الامام الشافعي و رحمة السيدة نفيسة ام المصريين و البطل احمد البنهاوي و جمعنا الله بهم في يوم القيامة، و لتكن ثورتنا و كل حركة نقوم بها لوجه الله خالص، و يارب طهر قلوبنا من الحقد و الانانية و حب الذات و ارزقنا الاخلاص.
أنهت قصة هذه الثورة و لم تنتهي حكاية التاريح و ثورات اصحاب الحق، في الي القاء في قصة أخري
الصورة: من اقوال الامام الشافعي و لتجعلها مبدأ حياة بالنسبة لك
التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل
اقرأ ايضاً: الجزء الثالث من أسطورة القط ذو السبعة ارواح
تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد