قصة ثورة من تاريخ مصر
الجزء الأول
كُتبت في ٢٥ ابريل ٢٠١٦
مازالت أعتقد أن معركتنا هي معركة وعي في المقام الأول و أن سبب هزيمتنا و فقرنا و مشاكلنا كلها هو الجهل و الجهل وحده، فمن لا يعرف تاريخه لن يكون له مستقبل لان معرفة التاريخ هي ما تبني عليها رؤيتك و الرؤية هي ما تحدد شكل المستقبل. و للأسف حتي من يعرفون من التاريخ شيئاً فهم أما يعرفون تاريخاً مزيفاً أو يعرفون قشور من التاريخ شديدة السطحية. و لنأخذ علي سبيل المثال سعد زغلول و زوجته صفية مثالاً علي ذلك، من المؤكد أنك بمجرد ذكر اسم سعد زغلول و زوجته ستجد هاتفاً داخالياً يقول لك "آه الزعيم الخالد سعد زغلول...و سعد سعد يحيا سعد، و صفية زغلول ام المصريين" بالرغم من أن سعد زغلول هذا كان خموجياً و مدمن قمار و كان له أخاً يعمل قاضياً و يسمي أحمد فتحي زغلول كانت تربطه صلة شديدة باللورد كرومر و قد شارك أحمد فتحي زغلول هذا كقاضي في محاكمة دانشوي في عام ١٩٠٦ و التي قضت بأعدام عدد من الفلاحين أمام أهاليهم و جلد آخرون و بالمناسبة هو من صاغ حيثيات الحكم و كتبها بيده الملعونة. و لم يكن سعد زغلول الا واحد احضره ليركب ثورة الشعب المصري و اشبه ما يكون بحمدين صباحي و البرادعي اليوم. أما بالنسبة للست صفية زغلول أم المصريين و التي لقبوها بأم المصريين و ذلك لانها كانت لا تنجب ، فتم تعويضها عن ذلك بان اصبحت تلقب بأنها أم المصريين و في الحقيقة هي كانت امرأة ذات ثقافة فرنسية كانت زعيمة للتحرر و السفور كانت ابنة مصطفي فهمي الذي كان رئيس وزراء مصر وكان معروفاً بأنه صديق الانجليز الوفي، فقد قبلت وزارته مالم تقبله وزارة سابقة و يكفي أن نعرف أنه كان من حق الأنجليز أن يرسلوا مندوباً عنهم عُرف بأسم “المستشار الحقاني البريطاني” ليحضر جلسات و اجتماعات الوزارة مهما كان أهميتها و سريتها لجلساتها،و طبعاً ده كان معناه سلب سلطة الناظر (الوزير بتعبيرنا الآن) وضياع هيبته، و يصفه اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر مصطفي فهمي -ابو ام المصريين- بأنه "أداة في أيدي الممثل البريطاني في القاهرة".
و هذا هو الهوان كله و لذلك فقد تركه يتولي رئاسة الوزراء ثلاثة مرات
و لكن….دعونا من هذا كله و دعوني اقدم لكم نموذج آخر من التاريخ كان حقاً ابو المصريين و كانت حقاً ام المصريين، و للاسف أغلب الناس يعرف الأسمين جيداً و لكن لا يعرفون الحقاءق التي سأحكي عنها. بدأت الحكاية عندما وصل الدولة الأموية لآخر سقف لها في حكم المسلمين حينما أنتصر عليهم بنو العباس في معركة الزاب، ففر ولاة بني أمية يهربون هنا و هناك، و كان في ذلك الوقت والي لهم علي مصر أسمه عبيد الله بن مروان، و عندما رأي الهزيمة و الدولة او النظام الأموي يتهاوي و يسقط السقوط الأخير قرر ان يهرب الي صعيد مصر ، و لكن العسكر العباسيون قرروا مطاردته فلم يستطيع حتي ان يصل الي صعيد مصر حيث تم القبض عليه في قرية أبو صير في الجيزة ، فقتله ابشع قتلة و رموا جثته في العراء حتي شبعت منها الكلاب و الذئاب و كان له ابناً كان له حديثاً عجباً و لكنه ليس موضوع اليوم-ربما نذكر قصته في حديثاً أخرـ المهم ان المصريين كانوا يظنون انه بخلاص الأمة من بني أمية و الولاة الأمويين سينصلح الحال و الحقيقة ان الدولة العباسية أول ما بدأت، بدأت بدأية قمة في السوء ، فلقد وجد المصريون أنفسهم أمام ولاة أكثر فسقاً و أشد جبروتاً من ولاة بني أمية، و شعر المصريون في ذلك الوقت ما نشعر به في يوم الناس هذا بأنه لا أمل في الأصلاح و أن الحال من اسوأ لاسوأ ومع هذا الشعور باليائس و الأحباط ولدت في مصر ثورة شعبية عارمة….ثورة تقدمها الشباب و الأطفال و الرجال الكبار و ترك الفلاحون ارضهم و الحرفيون ورشهم و التجار متاجرهم و هبت الثورة كالعاصفة تضرب صفوف عسكر بنو العباس الذين فزعوا حينما شاهدوا امامهم جحافل الثوار و قد انضم لها أذلة الفقر و الذين طحنهم الجوع و هؤلاء الذين ذاقوا ظلم الولاة و فساد القضاء -الشامخ- و افتراء و قهر العسكر العباسيون. و لم يكن أحد يتخيل ان الثورة التي قام بها المصريون المطحنون هؤلاء ستصيب الوالي العباسي بالرعب لدرجة انه سيهرب من الفسطاط عاصمة مصر في ذلك الوقت و هو يتلفت حلفه حاءفاً مذعوراً و سيختبئ في مزرعة في ضاحية حلوان و هو علي يقين أن كل شئ يهوي و يسقط بعد ان اصبحت القبضة الأمنية بلا قيمة بعد ان هزمها المصريون -نفس اللي حصل في ٢٨ يناير- و أصبح الوالي العباسي متشكك في ان كان الحكم العباسي سيستمر اما ان هذا الربيع الثوري المصري سينتقل الي الأقاليم و البلاد الأخري الواقعة تحت الحكم العباسي فستنتفض كما انتفض المصريون -سبحان الله نفس اللي حصل معنا- و لكن القدر كان قد أتخذ قراره بان تنحسر موجة هذه الثورة و تنكسر شوكتها و يعود الوالي العباسي الي الفسطاط و يحكم العباسيون قبضتهم مرة أخوي علي مصر، لماذا؟؟ و كيف حدث ذلك؟؟
لقد أنهزمت الثورة الأولي للشعب المصري بالرغم من قوتها و عنفونها و بالرغم من الجماهير خرجت غاضبة ساخطة و قد كانت اصوات حناجرهم تهز الفسطاط هزاً و سائر أرض مصر المحروسة و بالرغم من كل ده فقد انهزمت الثورة و استطاع العباسيين ان يعيدوا أحكام القبضة الأمنية علي مصر سريعاً…لماذا؟؟ ببساطة لنفس السبب الذي حدث مع ثورة يناير ٢٠١١، لقد كانت الثورة بلا قيادة ، صحيح ان الجماهير خرجت لهدف واحد واضح قد وحد طوائفهم و صحيح ان الغضب كان في قمته و السخط كان بلا حدود و لكن عدم وجود قيادة جعل الناس تفقد الرؤية الصحيحة و تخطئ الهدف، و سبحان الله لقد حدث خلال الثورة مجموعة من الأخطاء تشبه الي حد كبير الاخطاء التي وقعنا فيها في ايام ثورة يناير و ما بعدها، فقد هاجمت جماهير الشعب الغاضبة حوانيت التجار داخل و خارج الفسطاط و خارجها و نهبوا ما فيها و أشعلوا فيها النيران ، مع ان هؤلاء التجار كانوا من اهم اعمدة الحراك الثوري وقتها، فهؤلاء التجار كانوا من جيش الجماهير و امدوهم و اهلهم بالطعام و المؤن، و لكن الثوار سرعان ما انقلبوا عليهم ففعلوا ما فعلوا بمتاجرهم و مخازنهم بل و اعتدوا عليهم بالضرب و السحل -تقدر تشبه هذا بما فعله الثوار بالاخوان المسلمين و مكاتبهم من حرق و تدمير و ضرب و سحل و قتل لشباب الاخوان- كانت هذا الأخطاء سبب في هزيمة الثورة و زما ما كسر شوكتها فكان قدوم الخليفة المأمون نفسه من بغداد علي رأس حملة عسكرية كبيرة لقمع الثورة في مصر، واستطاع بجيشه أن يكسر شوكة الثورة و يحكم قبضته عليها بعد ان امعن في القتل حتي ان المؤرخين يقولون أن الطيور الجارحة كانت تحلق في الفضاء و لا تنقض علي الجثث الملقاة في كل شبر في بر مصر لأنها أكلت حتي شبعت -لا اله الا الله، و كأنها مجزرة رابعة-و عندما هدأت الاحوال و تمت السيطرة علي مصر و الثورة عاد الوالي الذي كان مختبئاً في حلوان و بالمناسبة كان اسمه عيسي بن منصور الرافقي، و قد وبخه المأمون و قال له أنه بسبب سوء تدبيرك و ظلمك للناس و لانك حملت الناس مالا يطيقون، ثم اصدر قراراً بايداعه السجن و عين مكانه الأنشين و الذي كان احد امراء الحملة العسكرية التي آتي بها المأمون. و قد امر المأمون الوالي الجديد ان يتعقب باقي الثوار الذين فروا الي الصعيد في مصر، و بالفعل ذهب الوالي الجديد خلفهم و دخل معهم في معارك رهيبة في الصعيد استطاع الانتصار فيها و عاد بهم قبل ان يغادر المأمون الفسطاط عائداً الي بغداد ، فامر المأمون بقتل جميع الرجال و بيع النساء و الأطفال و هنا أعتقد المأمون انه طوي صفحة الثورة للابد. فراح يسرح في كل ضواحي مصر و قيل انه كان يبيت كل ليلة في قرية من قري مصر، و كانت اهالي و عائلات تلك القري يهرعون ليتسابقوا فيما بينهم لتقديم أشهي المأكلوت و الأطعمة و الشراب و الفواكه و الحلويات للخليفة المأمون و جيشه -طبعاً لو كان فيه كهرباء كانوا شغلوا له كمان أغنية تسلم الأيادي لمطرب العواطف و الاحزان المصطفي ابن كامل- و يقول عمونا المؤرخ و العلامة بن اياس :”كانت موائده تضم كل الاصناف من غنم و بقر و دجاج و افراخ و سمك و اوز و سكر و عسل و لوز و فاكهة و حلوي و مسك وماء ورد و شمع و بقولات و غير ذلك” -؛له عشان خاطر ماسر يا ماسريين- و يقول ان المورخيين ان المأمون بعد زيارته هذه لقري و نجوع شعب مصر “الكريم” عاد الي بغداد ب ٤ مليار من الدنانير الذهب غير الهدايا من التحف و المجوهرات و الأقمشة -معلش أسف بس مضطر اقول انه شعب ابن وسخة بطبعه- و يقال انه عندما وصل بغداد قرر ان يوزع بعض من هذه الدنانير الذهبية علي عساكر حملته فكان يملئ كفي الجندي -اللي مش غلبان- بقطع من الدنانيرالذهبية حتي تمتلئ فان امتلئت امره بالانصراف و بالطبع كان هذه ثروة لكل جندي
كان المشهد يبدو حزيناً في مصر بعد ان قمع عسكر المأمون الثورة في مصر و اصبحت بيوت الثوار خرائب مهجورة، و بقيت احجار هذه الخرائب البائسة تشهد علي ذكري الثورة المصرية و علي من حركها، و الحق أقول لكم فان السبب في نشوبها -غير ظلم الولاة و فساد القضاء و العسكر- يرجع الي رجل من افاضل الرجال يستحق فعلاً لقب زعيم الأمة و سيدة عظيمة تستحق ان تكون فعلاً ام المصريين لانه شرف لنا نحن المصريون فالسيدة كان شريفة من بيت النبوة. أما الرجل فقد كان الأمام الشافعي رحمه الله وجعل كل ما وصلنا من علمه في ميزان حسناته، و أما السيدة فقد كانت السيدة نفيسة بنت حسين بن يزيد بن علي بن الحسين بن الأمام علي بن ابي طالب كرم الله وجه……..هل في هذا مفاجأة لكم؟؟؟ نعم بكل تأكيد ، فماذا انتم تعلمون عن السيدة نفيسة الاهذا المسجد و الميدان الفسيح و ماذا تعلمون عن الامام الشافعي غير منطقة مقابر الامام الشافعي و بعض من اقواله المتناثرة هنا و هناك؟؟ و لكن هل تعلمون علاقتهم بالسياسة و الثورة؟؟ هل تعلمون ماذا فعلا من اجل مصر؟؟ و هل سمعتم عن احمد البنهاوي؟؟ ، هل تعرفون علاقته بهما؟؟
ولد الأمام الشافعي بغزه -يعني تبع حماس بتعبير اليومين دونا- و قيل انه ولد بعسقلان، سواءاً كان ذلك او ذلك فانه من المؤكد أنه مسلم ولد في ارض فلسطين، و قيل أن أمه و كانت تُسمي فاطمة قد رأت في منامها و هي حامل به نجماً خرج من بطنها و له ضوءاً عظيم فسقط بأرض مصر-سبحان الله-ثم طارت منه شظايا فانشرت في ساءر الأفاق. كان مولده في عام ١٥٠ هجرياً و هو نفس العام الذي توفي فيه الأمام ابو حنيفة النعمان رضي الله عنه. و قد حفظ الأمام الشافعي القرآن الكريم و هو في سن السابعة و قرأ الموطأ علي الأمام مالك شخصياً بالمدينة المنورة، و تفقه علي مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة في ذلك الوقت و أُذن له بالافتاء في سن الخامسة عشرة -بسن اليومين دونا يبقي لسه عيل- ثم توجه الي بغداد و بعد ذلك الي مصر حيث أستقر بها و تفرغ للعلم، و صنف نحو مائتي جزء في الفقه و الأحاديث، و ألتف حوله أناساً كثيرون، و كلن كلما اشتد علي الناس الكرب و ثقل عليهم ظلم الولاة و القضاء -الشامخ- كلما اقبلوا عليه ، يلجأون اليه و يطلبون منه المشورة، و قد عُرف عنه رضي الله عنه أنه ما كان يوماً من شيوخ السلطان و كان شجاعاً ، صريحاً ، جرئياً في الحق فكان دائماً يقول لهم "لا يصلح امور الناس الا عزائمهم، و لا يقبل الظلم الا ميت، أما الحي فهو اذا لم يقاتل، فهو علي الأقل قادر علي ان يصرخ" -بتعبير النهاردة أتكلم و قول و شير و افضح النظام و القضاء و المخابرات و متخفشي م دام انت مش قادر نحاربهم بنفسك- و كانت جملته هذه فتوي شرعية من أكبر أئمة الزمان و العصر لجموع المصريين، أنها الفتوي التي جعلتهم ينتفضوا ضد الظلمة ويقوروا عليهم و أن ينقضوا علي جلاديهم. و حدث ذات مساء أن كان لديه أناساً كثيرون، فقام أحدهم و سأل الامام الشافعي رحمه الله عن الطريق لأصلاح ما أفسده الدهر، -خدوا بالكم الرجل ده عايش نفس ظروفنا و بيسأل سؤال يهمنا كلنا- فأجابه الامام العلامة رضي الله عنه قائلاً "إذا لم تكن الكلمة سدادة فليكن السيف" -الجملة ديه أهداء للأخوة بتوع سلميتنا أقوي من البتنجان- و كأنت هذه الأجابةأشارة واضحة صريحة و قاطعة لبدء الثورة ضد الطغاة و الظالمين، و ما أكثرهم في دولة بني العباس
أما السيدة نفيسة -أم المصريين الحقيقية- فقد فتحت بيتها لجموع المصريين ليصبح بيت الامة -شوف سرقوا التاريخ كله ازاي و عملوا منه اسطورة سعد زغلول- و كانت السيدة نفيسة قد لقيت هي و أهلها الكثير من الظلم علي يد بني امية ثم علي يد بني العباس، و كان زوجها أميراً علي المدينة المنورة و لكم العباسيين خلعوه من ولايتها، فهاجر من الجزيرة العربية و اختار مصر منفي لهم. و منذ ان حطت السيدة نفيسة رحالها في مصر المحروسة، ألتف حولها المصريون، و قصدها اصحاب الحاجات و رجال العلم و الدين، و كانت نموذجية في سلوكها، كريمة في عطادها، فريدة في حلمها، فأحبها المصريون حباً عظيماً، و آمنوا بها كأماً لها لدرجة انه عندما فكر زوجها في الرحيل و العودة الي المدينة المنورة، توسل اليه المصريون ان يترك هده السيدة المباركة في مصر اذا كان مصراً غلي العودة الي المدينة، و هنا و للعجب أضطر الزوج الكريم الي النزول عند رغبة الجماهير و ان يتركها للاقامة في مصر للابد ، فكانت بذلك أم المصريين رسمياً -ولا عزاء للنصابيين من المستغربيين من امثال صفية زغلول و زوجها- و كانت السيدة نفيسة قبل اندلاع الثورة بقليل قد حرصت علي ان تحرض المصريين علي المقاومة فراحت تزرع في نفوسهم الاحساس بالعزة و الكبرياء و تصغير قيمة الدنيا و الحياة كلها في اعينهم مقابل القيم و قول الحق و مناهضة الطغاة و الظالمين، و كانت عندما تري ان بعض المصريين يبدوي عليهم العجز و الضعف و عدم الهمة كانت تقول لهم "لم يكن الحسين -رضي الله عنه- الا فرداً واحداً أمام دولة غاشمة و ملك عضوض، و لكنه لم يهرب و لم يستسلم، و قاتل ضد الظلم حتي قُتل" و فهم المصريون أن مقاومة الظالم لا تحتاج الي جيوش، و الوقوف اما الطغيان لا ينتظر ؛شف حساب لموازين القوي و العتاد، و لكن مثل هذه الامور تحتاج الي وقفة رجال و الي استعداد للتضحية بالحياة باعتبار انه من الخير للانسان اذا ساءت الحياة ووصلت الي حد الذل أن يموت، فحينها يصبح بطن الارض خيراً له من ظهرها -وياليت المصريون الآن يعرفون هذا"
هكذا كان الامام الشافعي عقل الثورة و هكذا كانت السيدة نفيسة ام المصريين ضمير الثورة، أما دينامو هذه الثورة و ماتورها فكان شاباً مصرياً خالصاً أسمه احمد البنهاوي، فماذا كان من امره و امر هذه الثورة؟؟
ولد أحمد البنهاوي في بنها العسل و قد سميت بذلك الأسم لان المقوقس ملك مصر كان قد ارسل من ضمن هداياه للنبي محمد صلي الله عليه و سلم بعد ان استلم رسالته زلعة من عسل النحل من ضمن هداياه ، فقبلها النبي الكريم و لما تذوقها ابدي أستحسانه و قال من اين هذا العسل؟ فقيل له صلوات ربي عليه و تسليماته "أنه من قرية في مصر يقال لها بنها، فقال صلي الله عليه و سلم : "بارك الله في بنها و في عسلها" و من يومها أصبحت بنها تُعرف باسم بنها العسل.
و كان أحمد البنهاوي رجالاً عالماً باللغة و الحديث و التفسير، فصيح اللسان، شجاع القلب، و كان قد أخذ علي عاتقه تعبئة الجماهير في القاهرة ضد الحكم العباسي -تقدر تقول كده حازم ابو اسماعيل العصر ده-و سافر احمد البنهاوي من القاهرة الي بنها ثم عاد الي القاهرة ماراً بعرب برشوم و العمار و قيلوب و استطاع ان يبذر هناك خلايا ثورية هنا و هناك و ان يمد ها ببعض المال الذي استذاع ان يجمعه لشراء السيوف و الخناجر و الحراب -لو كان عمل ده دلوقتي كان اتقبض عليه بتهمة تمويل النشطاء السياسيين- و قيل ان أغلب هذه الأموال التي جمعها البنهاوي رحمه الله قد جاءته من السيدة نفيسة و الامام الشافعي. و في الحقيقة ان احمد البنهاوي كان شديد الذكاء ، عظيم في التخطيط الاستراتيجي و لو ان الخطة التي رسمها احمد البنهاوي قد سارت في الطريق الذي رسمه لها لنجحت الثورة و حققت اهدافها، و لكن التاريخ و القدر ليسا علي هوي المخططين، فقد وقعت حادثة غريبة أودت بحياة الرجل الشجاع و المجاهد العظيم أحمد البنهاوي قبل قيام الثورة بايام قليلة و لم يخطر علي بال اي شخص و لا البنهاوي نفسه ان هذا قد يقع
فالذي حدث هو أن مجموعة من قطاع الطرق أنقضوا علي قافلة تجار بالقرب من قيلوب، فهرعت الي هناك مجموعة من فرسان حرس الوالي العباسي لتعقب اللصوص، و حدث ان كبسوا علي قليوب و كان بها احمد البنهاوي في بيت منعزل مع فريق من اصحابه و معهم السيوف و الحناجر و الحراب من تلك التي اعدواها للثورة -ياعيني علي الحظ المنيل-فظنهم العسكر قطاع الطرق الذين نهبوا القافلة، فنشبت بينهما معركة شرسة أنتهت بمقتل أحمد البنهاوي و رفاقه و كان عدداً من العسكر قد ماتوا و جرح عدد كبير منها من شدة القتال!! لن تكن المعركة مقصودة و لكنها اصبحت اول معارك الثورة ، فالثوار الذين امدهم أحمد البنهاوي بالسلاح قد اشتاطوا غضباً عندما علموا بمقتل البنهاوي و رفاقه، فاشتعلت المعارك في كل بر مصر ووجد العباسيين و عساكرهم الثوار يآتون لهم بالسيوف و الرماح و الحراب من كل جهة و من كل شارع و حارة و عندما وصلت الثورة الي القاهرة او الفسطاط فر الوالي هارباً الي حلوان و حدث الانفلات الامني، و طارت الثورة الي بنها و طندتا -اللي هي طنطا- ثم طارت الي كل مكان حتي وصلت الصعيد و لم يكن للعباسيين وجود كبير في الصعيد فكان الناس في الصعيد يشكلوا ظهر الثورة و حاميتها و كان الناس في الصعيد ينتظرون اي اشارة او مناسبة ليشعلوا نيران الثورة و يسحقوا عسكر العباسيين. و لكن وفاة احمد البنهاوي او مقتله كان فعلاً حدث عظيم، و له اثر أعظم، فهذه الجموع التي أنطلقت هنا و هناك تثور و تزأر كالاسود كانت تسير بلا قيادة و بلا خذذ بعد مقتل الرجل الكبير احمد البنهاوي...لقد كانت الثورة تفور و تجتاح الشوارع و الميادين و لكنها كانت ثورة بلا رأس....و لا خطط....و لهذا كان مصير الثورة لابد ان ينتهي الي الفشل -وهذا ما اخشاه علي اي حراك ثوري الآن-و استطاع المأمون ان يعيد القبضة الحديدية علي مصر و المصريون مرة اخري بعد ان هذن الثورة
ربما كانت هناك بعد المكاسب التي حققها المصريون من خلال الثورة هذه، فلقد استطاع المصريون ان يعبروا عن رأسهم في نظام الحكم العباسي بطريقة جعلن الخليفج نفسه يآتيهم علي ظهر حصان و يقود حملة عسكرية كاملة،،،،،و بالرغم من القتل الدي فعله عسكر الخليفة الا انه قام برفع بعض المظالم و قرر سجن الوالي الظالم الذي كان سبب ثورة المصريين، و منع الاعتداءات و ارسي بعض قواعد الادارة و الحكم في البلاد، لعل اهمها كان "أرتباط رجل الدين بالزعامة و السياسة" - معلش هقولها تاني- أرتباط رجل الدين بالزعامة و السياسة و سيصبح كل زعماء مصر فيما بعد من رجال الدين و اذا اعادنا كتابة التاريخ مثلما فعلت اليوم سنكتشف ان اغلب -ان لم اقل كل- مشايخ مصر الكبار و اصحاب الاضرحة الكبيرة و الموالد المزدحمة هم في الحقيقة زعماء سياسيون قبل ان يكونوا رجال دين، و انهم كانوا دائماً في صفوف الجماهير ضد الحاكم او الوالي او العسكر، و كلهم بلا استثناء من اول السيدة نفيسة و الامام الشافعي و الي الحسن الشاذلي و المرسي ابو العباس و سيدي احمد البدوي و الشاطبي و القباري و ابراهيم الدسوقي و عمر مكرم، كلهم قاوموا السلطة الغاشمة و الملك العضوض و بعضهم حمل السيف بنفسه و حارب الغزاة و قاد المقاومة بنفسه، اما المشايخ الذين اكتفوا بالتسابيح و التفسير و التسول من الاثرياء و الولاة، فلقد كنسهم التاريخ و القي بهم في اقذر سلات القمامة و القي بهم المصريون من ذاكراتهم فتاهوا في غياهب النسيان. و لعلك لهذا السبب يا عزيزي لا تعرف قصصهم و ذلك حتي يستطيع النصابيين و سماسرة الطغاة و كلاب السلاطيين ان يقولوا لك "لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين" و قد كذبوا قبح الله وجوههم!
بقي شيئاً طريفاً اريد ان اقوله من احداث هذه الثورة، و هي أمه و عندما حضرت الوفاة شيخ مصر الكبير و الثائر الشجاع الامام الشافعي، أوصي أهله و مريديه بأن يتولي غسله والي مصر و لا احد سواه، فلما مات رحمه الله ابلغوا الوالي وصية الامام، فحضر الوالي و سأل اهل بيت الامام الشافعي هل عليه دين؟؟ فقالوا نعم عليه اربعون الف دينار ديوناً، فقال الوالي "هذا هو غسله" و قام الوالي بتسديد هذه الديون.....و العجيب و الغريب او المضحك في الأمر أن هذه الذيون كانت هي الاموال نفسها التي امد بها الامام الشافعي احمد البنهاوي رحمة الله عليهما للاعداد بالثورة ضد الوالي و الحكم العباسي كله
رحمة الله الامام الشافعي و رحمة السيدة نفيسة ام المصريين و البطل احمد البنهاوي و جمعنا الله بهم في يوم القيامة، و لتكن ثورتنا و كل حركة نقوم بها لوجه الله خالص، و يارب طهر قلوبنا من الحقد و الانانية و حب الذات و ارزقنا الاخلاص.
أنهت قصة هذه الثورة و لم تنتهي حكاية التاريح و ثورات اصحاب الحق، في الي القاء في قصة أخري
الصورة: من اقوال الامام الشافعي و لتجعلها مبدأ حياة بالنسبة لك
التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل
اقرأ ايضاً: الجزء الثالث من أسطورة القط ذو السبعة ارواح
تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد