كنوت هولمبو
رحلة الباحث عن الحقيقة و الشاهد الشهيد
كُتبت في ٥ ابريل ٢٠١٧
من المؤكد ان أحداً منكم قد سمع عن كنوت هولمبو من قبل!!
كان كنوت هولمبو صحفي و رحالة دانماركي قد اعتنق الإسلام بعد ان زار المغرب و قال معلقاً عن هذا ” أعتقد ان الاسلام هو المسيحية الحقيقية ” و اقام في المغرب لشهور تعلم فيها اللغة العربية و كيفية تأدية العبادات الدينية ، بعد ذلك ولدت لديه رغبة شديدة في الحج والتعرف على الشرق والذهاب إلى مكة , و لكن أنتهي به الحال بعد تفكير بأن حزم أمتعته وبدأ رحلته في شمال افريقيا سنة ١٩٣٠ على متن سيارته الشيفروليه للوصول الي مكة و تأديه فريضة الحج , رحلة طويلة جدا و غريبة جداً عبر المغرب والجزائر وتونس وصولا إلى ليبيا حيث حازت الجزء الأكبر والأهم من مذكراته التي سجل فيها قصصا كثيرا عن الحياة في ظل الاستعمار والقمع والمقاومة....اليكم منها هذه القصة الغريبة و التي احداثها تشبه كثيراً ما نعيشه اليوم
بينما كان هولمبو في طريقه من بنغازي إلى درنة وسط الجبال , وقع في يد المجاهدين الذين يقودهم عمر المختار , في البداية أطلقوا عليه رصاصة ليوقف سيارته وكانوا يريدون قتله لاعتقادهم أنه إيطالي أو عميل لهم , لكنه أقنعهم بأنه ليس ايطاليا ولا عميلا وانه مسلم وقرأ لهم بعض القرآن ليتأكدوا , ثم اعتقلوه ودار بينهم حديث طويل قبل أن يطلقوا سراحه , ويعرفوا أنه صحفي اوربي مسلم جاء لينقل الحقيقة , ربما يكون لقاءه هذا من المقابلات الصحفية النادرة التي سجلت مع المجاهدين الليبيين آن ذاك .. يقول هولمبو :
قلت له : ” لقد حضرت إلى هنا لأتعرف على طرق معيشتكم وحياتكم هنا .. إنهم لا يعرفون عنكم شيئا في أوربا
سألني : وما هي أوربا ؟ قلت له : “إنها قارة يعيش فيها الانجليز والفرنسيون وأمم أخرى
رد سائلا : “وهل يعيش الإيطاليون هناك أيضا ؟ ” كان يسميهم الروميون
قلت : “نعم .. اإيطاليون يعيشون هناك أيضا لكنني أنتمي إلى قبيلة تختلف عن الإيطاليين تماما
ثم بدأنا سيرنا نحو معسكرهم , واصلنا السير حتى حلول الظلام , ثم قمنا بإشعال نار في مكان مفتوح يصلح لإقامة معسكر لليلة واحدة .
جلسنا نحن السبعة حول النار وسألت القائد ” ألا تخشى أن يراك الإيطاليون ؟”
رد بسرعة : ” أنا لا أخشى أحدا .. إن الإيطاليين لا يجرؤون على الخروج من مدنهم التي يتحصنون بها إلا إذا كان لديهم أعدادا كبيرة من الجنود وبنادق سريعة الطلقات , أما في الظلام فهم لا يجرؤون على مهاجمتنا على الإطلاق ”
سألني أحدهم : ” لا بد أنك تحدثت مع بعض الإيطاليين .. ماذا يقولون عنا ؟”
قلت لهم : ” إن الإيطاليين يتهمون سكان الجبال بارتكاب فظائع في حربهم معهم ويتهمونهم أيضا بتعذيب سجنائهم ”
نظر إلي القائد ثم ألقى بفرع شجرة كبير جاف في النار فارتفعت ألسنة اللهب ثم قال : ” نحن نعرف أنك مسلم صالح ولن تخدعنا , سوف أحكي لك شيئا وأقسم بالله أن ما سأقوله لك هو الحق .. إنني لم أعش في الجبال هنا كثيرا ولكنني مجبر على العيش فيها الآن فليس أمامي بديل آخر , فقد حلت بنا مصيبة في الواحة التي كنت أعيش فيها حيث عاش والدي وأجدادي وجميع أفراد عائلتي منذ سنوات عديدة , لقد شعرت بالفرح عندما رزقني الله بولد .. لكن الآن .. الله وحده يعلم أين مكان ولدي , لقد رزقني الله بابنة كانت نور عيني , كانت تملؤ الدنيا بهجة وسرورا , كنت أحبها كحبي لابني ولكن حبي لله أعظم وأكبر من أي حب آخر
لم أرد عليه بكلمات ولكنني اكتفيت بإيماء رأسي , كانت الدموع تملأ عيون القائد , كانت دموعه تلمع في ضوء النار , وأكمل قائلا : ” كنا نعيش في سعادة في واحتنا , لقد كنت غنيا , كان لدي أكثر من مائة من الإبل , كانت كلمتي مسموعة لدى الجميع , وذات يوم كنت في واحة مجاورة مع بعض الرجال لمدة ثلاثة أيام , وعندما عدنا إلى واحتنا كان أول ما شاهدته زوجتي , جاءت إلي عدوا والرعب يملأ عينيها وشعرها وراء ظهرها وملابسها ممزقة .
كانت تنتحب وتقول ” لا تعد إلى البيت .. لا تعد إلى البيت .. فليغفر الل لي وليسامحني على ما سأقوله لك ” وكانت تبكي بكاء شديدا ولم أسع منها أي كلمة أخرى , ترجلت من على جملي لأجد أخي قد أتى , قابلني قائلا : “أخي .. أنت تعلم أن الله يعطي كل إنسان ما قسمه له .. لقد مات محمد , لقد كان الإيطاليون هنا , لقد أطلقوا الرصاص على الرجال وقتلوا واحدا من كل خمسة رجال لأننا حاولنا الدفاع عن أنفسنا “
لقد اهتز كياني لما سمعت .. لم أستطع الكلام , واستمر أخي في روايته : ” عليك أن تثق بالله مهما حدث , لقد اختفت عائشة – عائشة هي ابنتي – لقد أخذها ضابط إيطالي مع بعض الجنود الإريتريين وأخذو كل الجمال معهم ” قلت لأخي كان يجب أن تجنبني وبيتي هذا العار , كان يجب عليك أن تفتلها قبل أن يأخذوها .. هذا أشرف لنا ”
رحلت عن الواحة على الجمل الوحيد الباقي , ولم أكن أدري أن ذلك سيكون آخر عهد لي بالواحة , بحثت عن عائشة لشهور طويلة في مدن كثيرة وأخيرا عثرت عليها في إحدى بيوت الفسق في درنة , لقد اجبرها الإيطاليون على ممارسة الفسق نظير المال , عرفتني عائشة وعندما طلبت منها العودة هزت رأسها وبكت , قلت لها سيسامحنا الله جميعا , لقد صفحت عنك , ولكن أخبريني كيف وصلت إلى هنا؟
ردت باكية : ” بعد أن أخذ الإيطاليون الجمال , أخذوني معهم وأحضروني إلى هنا ” انتحبت عائشة وازداد بكاؤها وقالت لي : ” اقتلني يا أبي , لن أستطيع الهرب من هذا المكان , إن موتي على يدك أهون من تركي هنا ” فقتلتها وقبلت جبينها وهربت إلى الجبال ,
وأنا أقول لك الآن .. سوف أقتل كل إيطالي يقابلني , هذا هو القصاص والعدل , أقسم بالله العظيم أن كل واحد ممن حولك لديه قصة مماثلة , لذا فإننا لن نستسلم , إننا نحارب إلى آخر طلقة في بنادقنا إننا لا نخشى مدافعهم الرشاشة , لا نخشى الجوع , لا نخشى أن تكون ملابسنا رثة , سوف نحارب إلى آخر قطرة دم , هؤلاء الشياطين هم سبب معاناتنا .. حامد ما سبب وجودك هنا؟
رد حامد : ” لقد قاموا بشنق أخي ”
وأنت يا عبد الله ؟
رد عبد الله ” لقد استولوا على كل ممتلكاتي .. قالوا أنني ليس لدي ما يثبت أنها ملكي مع أنني ورثتها من أبي ”
وأنت يا محمد؟
رد محمد قائلا : “لقد أطلقوا الرصاص على أبي وأخي ”
وماذا عنك يا عبد السلام؟
رد عبد السلام : ” لقد حكموا علي بخمس وعشرين سنة أشغال شاقة فهربت
وبعد أدائهم للصلاة واستمرارهم في حديث آخر يكتب هولمبو انطباعه عن ما دار في هذه الليلة : ( كانت الليلة شبه مظلمة , وأخذت النار تخفت , عرضت على القائد إحدى البطانيتين حتى يلتحف بها فاعتذر عن قبولها , أما البقية فقد افترشوا الأرض وراحوا في سبات عميق , تدثرت بالبطانيتين ونمت نوما عميقا
استيقظت في الصباح قبل الآخرين , نظرت إليهم وهم في نومهم .. كانت ملابسهم رثة , ولكن علت وجوههم وهم نائمون نظرات السلام والتصميم على النصر , لقد أدركت الآن لماذا كان هؤلاء الرجال على استعداد للموت دون أن يهتز لهم جفن , ففي اليوم الذي قضيته معهم لاحظت مدى تمسكهم بدينهم واعتصامهم بحبل الله , ولم يخطر ببال أحدهم أن يضيق بما قسمه الله له مهما كان مصيرهم , فقد كانوا يحمدون الله وهم تحت المشانق على نعمة الحياة التي وهبها إياهم ويتحملون أي معاناة , كان هؤلاء الرجال النائمون فقراء وأميون فلم يعرفوا القراءة , بل كانوا يكتبون أسماءهم بصعوبة .. ولكنهم كانوا بالنسبة لي أنبل من رأيت من البشر
التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل
اقرأ ايضاً: الجزء الثالث من أسطورة القط ذو السبعة ارواح
تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد