ماذا خسر المصريون بانحطاط الشيوعيين و اليساريين
الجزء الأول
الكاتب الراحل صلاح عيسي رحمه الله و غفر له
كتب في ٢٦ ديسمبر ٢٠١٨
" تعرف فلان … ايوه طبعا … عاشرته …. مممم لأ … يبقى متعرفوش ..." هكذا يقول المثل الشعبي، و كان هذا اول ما جاء في بالي وانا اقرأ بوست قصير لصديق عزيز و محترم عن الذكري الأولي لوفاة الكاتب الصحفي صلاح عيسي، و كان البوست ذو موقف سلبي من شخصية الكاتب الراحل، و لهذا فلقد احزنني ان اقرأ كل التعليقات التي انهالت علي الراحل بالسب و اللعنات ذلك لانه وعلي حسب اعتقادهم كاره للاسلام و اهله و بالرغم من اني متأكد بنسبة مليون في المية و بعيداً عن الصديق صاحب البوست فإنه لا يوجد واحد فقط من هؤلاء المعلقيين قد قرأ كتاب او حتي مقالة للاستاذ صلاح عيسي….و لهذا فقط قررت ان اكتب هذا المقال، ليس من اجل الدفاع عن صلاح عيسي و لا غيره لانه لا يهمني الاشخاص كما أنني عندي ما اتحفظ عليه تجاه هذا الرجل و انما لالقاء الضوء علي قضية او حدث ترتب عليه كوارث كانت هي اهم اسباب هذا الجهل الثقافي الذي يغرق فيه الآن المجتمع المصري
بدأت القصة بعد انتهاء مصيبة العداون الثلاثي و التي قال عنها هيكل بوق النظام الناصري انه انتصار سياسي تاريخي -و للعلم فانه في حرب ١٩٥٦ تمّ الاستيلاء على مئات الآلاف من قطع السلاح الجديدة التي لم تستخدم وملايين الأطنان من الذخيرة معظمها صناعة روسية و تشيكية و هندية. وانهار ثلث الجيش المصرى وتمّ أسر خمسة آلاف جندى من أصل ثلاثين ألفــًا تبعثروا فى الصحراء لانقاذهم من الموت عطشا. ومن المسخرة اننا لا نعلم انه قد تمّ تبادل الأسرى المصريين كلهم بجندى إسرائيلى أسره المصريون ( المصدر جولدا مائير- فى كتابها حياتى صفحة ١٣٥ الي ١٣٨) و تم تدمير مدن القناة الجميلة التي بناها الاستعمار خلال فترة الاحتلال البريطاني و هي كانت قمة في الجمال و تنافس الاسكندرية في جمال مبانيها وقصورها و تم قتل آلاف من المدنيين والعسكريين وتهجير الملايين إلى مختلف محافظات مصر و ترك عبد الناصر من تبقوا هناك يواجهون جيوش ثلاثة دول وحدهم بعد ان سحب بقايا جيش اسماعيل يس- بعد هذا كله جاء مستر راونترى نائب وزير الخارجية الأمريكى إلى مصر، وهى زيارة ذات دلالة خاصة، لأنها بُنيتْ على أساس مناقشة عبد الناصر والنظام المصرى فى طبيعة (الثورة) المصرية ومستقبلها. فى تلك الزيارة قال نائب وزير الخارجية الأمريكى لعبد الناصر ( نـُـهنئكم على نجاحكم فى المعركة الوطنية ضد الاستعمار. لقد كسبتم معركة النضال الوطنى وتحرّرتْ مصر نهائيًا من الاستعمار. لقد انتهتْ المعركة مع الاستعمار، وبدأتْ المعركة الداخلية بين الطبقات، وعليكم أنْ تنتبهوا لهذا، لأنّ المعركة الطبقية هى التى يمكن للشيوعيين أنْ يضربوكم فيها. كما أنّ النظام المصرى يمكن أنْ يكون مانعًا للمد الشيوعى فى المنطقة العربية ) كان قاله نائب وزير الخارجية الأمريكى بالحرف ثم ردّده عبد الناصر (بالحرف و كالببغاء) فى خطاب ٢٥ ديسمبر ١٩٥٨. و يخطئ كثير من المصريين و خاصة ابناء التيار الاسلامي في مصر في ترديد مقولة ان عبد الناصر كان شيوعياً، فالحقيقة هي انه كان انضم للشيوعيين في مقتبل العمر و قبل انقلاب ١٩٥٢ كما انه انضم للاخوان و لحركات اخري، اما الحقيقة المؤكد فهي انه كان عميلاً امريكياً بحتا و كانت مهمته الأولي هي ان يكون من نظامه مانعًا للمد الشيوعى فى المنطقة العربية كما قال له او طلب منه او بشكل اصح كما امره راونتري نائب وزير الخارجية. ربما سيستغرب الكثير منكم ذلك و لا دهشة في هطا فالشيوعيين انفسهم أغلبهم لا يمكنه ان يتصور هذا و لكم فلن ندع الاحداث تتحدث عن الواقع الذي يبين هذا
ثمة قصة يعرفها المثقفون في مصر و المطلعون علي احداث الاعتقالات السياسية في مصر في فترة ما بعد انقلاب يوليو ١٩٥٢ تقول ان والد أحد المُعتقلين أجبره ضباط مباحث النظام لكى يُقنع ابنه بالعدول عن الاضراب عن الطعام، ولما ابنه رفض قال له الأب ( يا ابنى انتوا مش قد عبد الناصر. دا يقدر ينسف الشرابيه فى الليل.. ولما الناس الصبح يسألوه عن الشرابيه.. ح يقول لهم : هو كان فيه هنا شرابيه) لقد كان هذا الاب ذكي و ذو بصيرة و وعياً و فهم ما لم يفهموه المثقفون المصريون و لا حتي ملايين المصريين الي يومنا هذا، لقد فهم هذا الرجل ان عبد الناصر كاذب و يستطيع ان يصنع اكاذيب تخلق منها اساطير و لما لا و هو لديه امهر السحرة و اخبثهم و هو محمد حسنين هيكل؟! فسرعان ما تلقي هيكل الاشارة من خطاب عبد الناصر الذي ردد ما قاله نائب وزير الخارجية الامريكي كالببغاء ، فبدأ يكتب سلسلة مقالاته الشهيرة تحت عنوان (أزمة المثقفين) التى شنّ فيها هجومه البشع على المثقفين (المغضوب عليهم والضالين من وجهة نظر رئيسه – خاصة الليبراليين والماركسيين) وطرح سؤالا تصوّر أنه كالسهم سيُصيب قال فيه أين كان المثقفون قبل يوليو؟ و إين كان دورهم الطليعي في قيادة الجماهير؟ ثم و بمنتهي الخبث راح يجيب عن اسئلته بقوله : “ أنهم كانوا بعيدين عن المعركة. وكان بعضهم يقف فى الصف المُعادى للجماهير” وينتهى إلى أنّ “ هذه الفئات المثقفة كانت عاجزة عن أداء دورها الطليعى “ و هكذا انطلق هيكل يبث السموم من اجل القضاء علي طبقة المثقفين في مصر و عندما اراد البعض الرد علي ادعاءاته الكاذبة هذه تحولت مقالات هيكل الي تهديد و ترويع لهم قال فيها علي سبيل المثال “يتوجب علي الشيوعيين المصريين أن يضعوا علي افواههم اقفالاً من حديد و الا…” حتي انه في الفترة من ٢٨ يوليو الي ١٨ أغسطس ١٩٦١ راح يردد مقولة عجيبة و هي “ لا مفر من القيام بسويس اجتماعية” اي انه يقول لابد من تاميم جميع الصحف و دور النشر و كل مراكز نشر الوعي المجتمعي و الاجهاز عليه كما فعله في تأميم قناة السويس و الاجهاز علي بقايا الاستعمار في منطقة القنال….و طبعاً هذا القول شديد الخطورة و قد كان بالفعل امر خطير حدثت بسببه عواقب وخيمة.و لكن قبل ان اعرض لكم هذه العواقب الوخيمة احب فقط ان ابين لكم كذب ادعاءات هيكل فيما يخص المثقفيين و كفاحهم الوطني قبل انقلاب يوليو ١٩٥٢ خاصة الشيوعيين المصريين و الليبراليين ، فلو اخدنا علي سبيل المثال سلسلة مقالات المفكر الكبير سلامة موسي و التي كتبها ضد الاستعمار البريطاني لمصر تحت عنوان “الإمبراطورية البريطانية تُعربد” و ما سببته من ازعاج لسلطات الاحتلال البريطاني سرعان م انتقلت الي الحكومة البريطانية نفسها في لندن، و عليه فقط قامت الخارجية البريطانية بالضغط علي الحكومة المصرية لتوقيف سلامة موسي او التضيق عليه و ظل الرجل علي نضاله يكتب و يضايق الانجليز، وعندنا نموذج آخر هو عمنا الشاعر و الكاتب الكبير كامل الشناوي و سلسلة مقالاته ضد مشروع صدقي/بيفن و كيف كتب يدافع عن العمليات الفدائية في القنال و يرفععنها شبهة الارهاب و قال انه نضال مشروع، ثم الاستاذة منيرة ثابت و سلسلة مقالات “نساء وادي النيل يشتركن في الجهاد و الحداد” و دكتور محمد مندور و غيرهم حتي توفيق الحكيم نفسه نشر في الاهرام في سنة ١٩٤٧ مقالاً بعنوان “لستُ شيوعياً و لكن” يطالب فيه بتطبيق نظام الضريبة التصاعدية علي الدخل ، ثم طه حسين بدعوة ان التعليم كالماء و الهواء حق لكل مصري و درية شفيق بمجلتها “ بنت النيل “ و دفعها عن حق الفتاه في التعليم ، في وقت كان هيكل فيه يلهو مع زملاءه في الإيجيبسان جازات و عبد الناصر فيه اخره يوزع منشورات في الشارع مثل اي عيل صغير
و كانت نتيجة مقالات هيكل التحريضية هي سلسلة من الاعتقالات و القهر و التعذيب، و لمن لا يعرف عما حدث للشيوعيين في المعتقلات ان يقرأ كتاب “الشيوعيون و عبد الناصر “ لدكتور فخري لبيب و الذي وصف فيه ما حدث لهم بأنه اسوأ مما حدث في معسكرات هتلر و النازية، كانت ادوات التعذيب امريكية الصنع جديدة من نوعها شديدة هي في عذابها، و كان المعتقلين يجبرون علي أن يهتفوا للاله الاكبر عبد الناصر و يقفوا في طوابير يغنون “يا جمال يا مثال الوطنية” و كان القتل مصير من يرفض ان يردد هذا الهراء أو اذا ما ارادوا ان يرحمه فكانوا يضعونه في ترنشات -بكابورتات يعني او المكان الذي يتم فيها تجميع فضلات و بول المعتقلين- و يأمرونهم بأن يأكلوا من هذه الفضلات كما حدث لاحد المعتقلين و هو العامل نجاتي عبد المجيد في شركة الغزل و النسيج و الذي قاد حراك يطالب فيه بتوفير وجبة غذاء للعمال و اعطاءهم الحق لشراء الأقمشة بسعر التكلفة و ان يتم أعطاء العمال نسبة من الارباح، فتم اعتقاله و توجيه تهمة الانتماء للشيوعية له و مناهضته للنظام الحاكم، و في الحقيقة انه لم يسلم من بطش عبد الناصر اياً من الشيوعيين حتي من ظنوا انهم ابناء النظام و جيل “الثورة” مثل صلاح عيسي و غيره و لنأخذ مثال علي ذلك عمنا و شاعرنا الكبير نجيب سرور
البقية في الجزء الثاني
إنعدام السلطة يٌحدث الفساد، و إنعدامها بدرجة مُطلقة يُحدث الفساد المُطلق
اقرأ ايضاً: ماذا خسر المصريون بانحطاط الشيوعيين و اليساريين | الجزء الثاني
بدءُ نجيب سرور في كتابة أولى تجاربه الشعرية، متأثراً بسقوط الكثير من الضحايا المصريين من الطلبة والعمال، أثناء الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية الحاشدة المناهضة للاحتلال البريطاني لمصر، والمناهضة كذلك لـ "مشروع صدقي ـ بيفن" بين الحكومتين المصرية والبريطانية و مع قيام الجيش المصري بانقلاب عسكري فى يوليو ١٩٥٢أنفعل نجيب بالحدث فنزح من قريته الي القاهرة في نفس العام ١٩٥٢ و في القاهرة التحق نجيب بكلية الحقوق تلبية لرغبة والده، والتحاقه فى الوقت نفسه بالمعهد العالي للفنون المسرحية، مع زميله وصديقه المخرج والممثل الراحل كرم مطاوع،و تفوق في دراسته لفضل موهبته القوية و تصادف ان يكون تخرجه مواكباً لحدث تأميم قناة السويس في ١٩٥٦، وانفعال نجيب بالحدث. و نشر قصيدة نجيب سرور الشهيرة ......اقرأ المزيد
اقرأ ايضاً: ماذا خسر المصريون بانحطاط الشيوعيين و اليساريين | الجزء الثالث
يعاني اليسار العربي بشكل عام والتيار الماركسي تحديداً من عدد من الأزمات الفكرية منذ نشأته الأولى في المجتمعات العربية والتي لم تكن البيئة الخصبة لنشأته، أو البيئة كاملة الظروف التاريخية والإجتماعية لنشأته كالتي رافقت ظروف نشأته الأولى في أوروبا فصعد وفرض نفسه بسرعة فائقة، و لعل اكبر هذه الأزمات الفكرية هي مسألة النقد الديني الذي ظهر و كأنه ذو طابع عدائي للدين و لم يكن هناك فرصة اعظم من هذه لدي السادات الخبيث لضرب الطبقة المثقفة في مصر و الاجهاز عليها تماماً و كان هو بهذا اذكي من عبد الناصر و هيكل و أكثر خبثاً. فبعض ان اطلق السادات الاسلاميين علي اليساريين و الشيوعيين وقع بعض الماركسيين في نفس الفخ الذي وقع فيه الاسلاميين بالتحليل الخاطئ للماركسية بناءاً علي فهمهم لها علي فكرة “لا إله و الحياة مادة” كمقدمة للكفر والإلحاد، على الرغم من أننا لو رجعنا لكل الكتب الماركسية بشروحاتها لن نجد لهذه العبارة أصل واقعي، لأن ذات الماركسية لم تأت لتنقض الدين، بل بدأت من بعده وبالذات بعد مرحلة الصراع الدامي بين البرجوازيات الرأسمالية والإقطاع والكنيسة، فهي......اقرأ المزيد
ادعمنا علي باتريون
أهلاً بيك في حسابي علي باترون و شكراً لك علي التفكير في محاولة دعم المحتوي الذي اقدمه ، أنا كريم مصطفي ، صحفي استقصائي ، احاول ان اقدم للشعوب العربية في العموم و الشعب المصري في الخصوص محتوي بنقل الحقائق المجردة بعيداً عن المعوقات والقيود التي تضعها أنظمتنا العربية علي المؤسسات الاعلامية. و لقد أنشأت هذا الحساب من أجل تلقي الدعم الذي استطيع من خلاله الاستمرار في تقديم المحتوي و تطويره ........اقرأ المزيد