عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الأول - ميحكمشي

كُتبت في ٢٤ مارس ٢٠١٦

وحوي يا وحوي
رمضان كريم يا وحوي
فك الكيس و اديني بقشيش
يا نروح منجيش يااااااااا وحوي

هكذا يشدو الأطفال في ليالي رمضان و هم يحملون فوانيسهم الجميلة وسط ضحكاتنا و سعادتنا بهم بينما نحن جالسون نأكل الكنافة و القطايف و نلتهم الخشاف قبل أن يآتيني المسحراتي تسبقه صوت طبلته و هو يقول “اصحي يا نايم، وحد الدايم”….كم جميلة هي تلك الأجواء الرمضانية التي لا تراها في اي مكان في العالم الا في مصر. لا أعرف مدي التغير الذي طرأ علي هذه الأجواء او تلك الصورة الكلاسيكية لرمضان بسبب اقامتي خارج مصر منذ زمن طويل، و علي كل الأحوال لا يهمني التغير الذي طرأ عليها ، فأن هذه الصورة لم و لن يمحوها اي شئ في الدنيا ، حتي الزمن نفسه! و ليس هناك شك ان تلك الصورة الذهنية ليالي رمضان المصرية الجميلة ترتبط برابط مباشر بصور أُخري مميزة لا تراها الا في مصر مثل ليلة موالد النبي و الحلويات الجميلة و الحصان و العروسة الحلوي الذان كان يسرقا عقولنا و نحن اطفال صغار و ننتظز من العام للعام للحصول عليهم ، و ايضاً عاشورا و مولد سيدنا الحسين و تلك الأطباق الشهية من الرز باللبن و المهلبية المزينة بالزبيب و المكسرات و ليلة الاسراء و المعراج و ليلة منتصف شعبان و الي آخره من احتفالات لا تراها في اي بلد اسلامي الا في مصر….و لعله من الطبيعي ان نقول ان مصر بلد المهرجانات -لا اقصد مهرجانات المدفعجية و فيفتي و اوكا و اورتيجا- انما مهرجانات قلبت كل المظاهر الدينية الي مهرجانات اكل و شرب و حلوي و غناء و رقص و مولد يا دنيا مولد! و لانه دايماً ما يتصادف في تجمعاتنا شخص مثقف صعلوك فسرعان ما نسمعه يمصمصم في شفتيه و يقول “الله يمسيهم بالخير ، الفاطميين، هم اللي علمونا المظاهر الجميلة ديه….صانعو البهجة فعلاً” ثم يبدأ في سرد قصص اسطورية عن لماذا قرر الحاكم بامر الله فرض هذا الطقس و لماذا منع هذا و لماذا سميت تلك الحلوي بهذا الاسم و تلك بهذه التسمية و الي آخره من حكايات و معلومات طريفة لا تتعدي في طرافتها وواقعيتها طرافة وواقعية قصص الف ليلة و ليلة

غير ان كل هذه المظاهر ليست الا الحلوي التي أكلها المصريون مثل زكي الذي أكل الحلاوة في المسلسل الثمانيناتي الشهير ، و ليست هذه مجرد حدث عابر في التاريخ و لكنه خطر قائم ، فالمصريون لا يكفون عن تناول الحلوي و المتآمرين عليهم لا يكفون عن صنع الحلوي، و المغفلون يأكلون حتي تمتلئ بطونهم و تثقل حركتهم! في الحقيقة أن المصريين قبل مجئ الفاطميين كانوا مثل باقي الشعوب الأسلامية لا يقيمون لهذه المناسبات الدينية كل هذه الطقوس و المهرجانات و البدع ، بل كانوا يحتفلون بها في اطار من الوقار و الرهبة اللاتي تفرضهما طبيعة هذه المناسبات، فكانت الأحتفالات لا تتعدي التلاوة الخاشعة للقرآن و الدعاء و المناجاة المتضرعة الي رحمه الله تبارك اسمه….فلما جاء الفاطميون و كانوا اصحاب حيلة و مكر فبعد ان درسوا الشخصية المصرية و عرفوا ان المصريين صعب جداً أن يتشيعوا مثل غيرهم ممن اقاموا مُلكهم عليهم و ما ادرائكم ما مُلك الفاطمين في ذلك الوقت! فدعوتهم تلك و التي بدأت كدعوة سرية خفية غامضة و التي بدأها واحد من أغمض الشخصيات التاريخية و هو عبيد الله المهدي كتنظيم سري في بلاد الموحدين بالمغرب استطاعت أن تقيم دولة قوية أجتاحت شمال افريقيا كلها فضمت الجزائر و تونس و اراضي ليبيا و حتي وصلت الي مصر فاقامت بها اقوي و اعتي حصونها ، و الغريب ان هذا الطابع التنظيمي السري الغامض غلب علي هذه الدولة حتي ان مؤرخينا اليوم مازالوا يتخبطون بين تضارب المعلومات عن هذه الدولة و عن بعض الشخصيات و الأحداث، فلا يوجد اجابة محددة عن موت اشهر حكامهم و هو المعز لدين الله و هناك تضارب في المعلومات حول حكم بعض نساؤهم من عدمه، و حتي سياستها مادالت تكتنفها بعض الغموض و أغلب ظني هو ان هذا الغموض سببه ان امتداد اجيال هذا التنظيم مازال قائماً الي اليوم و عندي الأدلة علي وجوده ، بل و ادلة علي أنه مشارك في بعض الأحداث الخفية التي نراها اليوم!!! و سأتحدث عن هذا في باقي الموضوع او البوست او السلسلة!

“…..إقامتكم علي مذهبكم ، و إن تتركوا علي ما كنتم عليه في جوامعكم و مساجدكم، و ثباتكم علي ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- و التابعين بعدهم و فقهاء الأمصار الذين جرت الأحمان بمذاهبهم، و فتواهم، و ان يجري الأذان و الصلاة و صيام شهر رمضان و فطره و قيام لياليه ، و الدكاة و الحج و الجهاد علي ما أمر الله في كتابه ، و نصه نبيه صلي الله عليه و سلم في سنته…..” كان هذا جزءاً من خطاب قائد الحملة الفاطمية علي مصر جوهر الصقلي -او بمعني اخر بيان رقم ١ لقائد المجلس الشيعي العسكري علي مصر و الحاكم العسكري- و لعل الناظر او القارئ لهذا البيان سيعتقد للوهلة الأولي أن هذا البيان قمة في التسامح و الرقي، و لكن الحقيقة كانت غير ذلك، فجوهر الصقلي كان له من الخبث مثل ما كان لنابليون بونابرت الذي خدع المصريين و قال لهم انه مسلم و موحد بالله و ان اسمه الحاج علي بونابرت و راح يحتفل معهم بالمولد النبوي و ليالي رمضان، و مثل جنكيز خان الذي ارسل رسالة الي مصر يطالب فيها المصريون ان يسلموا البلد له و لجنوده لانه و كما جاء في نص خطابه “من ملك الملوك شرقًا وغربًا القان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه ، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد ، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ومطركم علينا لايُسمع فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان،( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) - (سورة الأحقاف آية 20) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(سورة الشعراء آية 237). فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم…..الي آخره” ولعل جوهر الصقلي كان أكثر ذكاءاً عندما فهم ان المصريون قد ترسخت لديهم الأصول الفقهية السنية و هم الذين ابتدعوا الدين في هذه الدنيا و لهم في التدين و توقيره باع طويل فلقد أقام عندهم سيدنا ابراهيم عليه السلام و لم يجد في تدينهم ما يستحق النقد، و اختلطوا ببني اسرائيل و احبوهم و ساعدوهم حتي يوم خروجهم مع الكليم عليه و علي نبينا افضل الصلاة و السلام ، بل و استضافوا ستنا مريم و ابنها المسيح عيسي بن مريم عندما ضاقت بهم الأرض و قبل ان يعود الي ارض فلسطين لينطلق بدعواه ثم انهم اصحاب الأرض الملقب ب”جب تاه” اي كنانة الله. و لهذا فقد حرص جوهر الصقلي ان يتحدث في بيانه العسكري رقم واحد عن صحابة رسول الله صلي الله عليه و سلم في اطار من الوقار و الاحترام و التبجيل و هذه لغة جديدة و غريبة علي لغة الخطاب الشيعي التقليدي و التي جعلت من سب الصحابة و السلف شعيرة دينية يلتزم بها خطباءهم السفهاء علي منابرهم!! و الغريب أن جوهر الصقلي أكد للمصريون أنه لن يجري اي تغيرات علي صيغة الأذان السني في مصر و جدير بالذكر و الأسف أن الشيعة في ذلك الوقت كانوا يلحقون عبارات الأذان بعد الشهادتين بجملة عبارة عن شهادة بان علياً حجة الله ووليه!!! و عبارة “حي علي خير العمل” بدلاً من عبارة “حي علي الفلاح”

و هكذا وضع الحاكم العسكري ورئيس المجلس العسكري الشيعي أطاراً جديداً للعلاقة بين النظام الشيعي و الشعب السني و التعامل بينهم في ظاهره السماحة و في باطنه الخبث و التآمر علي تضيع الدين في مصر السنية، تمام مثلما فعل من بعده بقرون سفاء حكمونا او مازال يحكموننا بانقلاباتهم و تآمرهم، الفرق الوحيد أن جوهر الصقلي و نظامه وضع هذا الأطار مع الكثير من مظاهر المهرجانات و الحلوي التي اكلها المصريون فاعجبهم طعمها فاصبحوا و امسوا لها مدمنين الي يوم الناس هذا……فتري ماذا حدث بعد ذلك؟ و ما الذي يحدث الآن؟؟ الباقية في الجزء القادم

المصادر
“الفرق و الفروق” لعبد القاهر البغدادي
“الملل و النحل” للشهرستاني
“الرد علي الباطنية” الامام الغزالي الكبير
“اتعاظ الحنفاء باخبار الأئمة الخلفاء” المقريزي
“الفكر الإسماعيلي” لأيفانوف
“الحشاشون” برنارد لويس
“تراث الفكر الأسماعيلي” للاستاذ الكبير و الطبيب العظيم محمد كامل حسين

التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل



اقرأ ايضاً: الجزء الثالث  من أسطورة القط  ذو السبعة ارواح

تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد

أخترنا لكم