عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الرابع - الجاسوس البرنس….عندما كادت ان تتشيع مصر

كُتبت في ٦ ابريل ٢٠١٦
ذكرنا في الجزء الثالث قصة بني هلال التي آتت من صعيد مصر و حروبها ضد المعز بن بارديس او الزناتي خليفة حاكم ارض كوبا أو ما يٌعرف الآن باسم دولة تونس و كيف انهم كانوا الشوكة التي اوجعت الدولة الفاطمية الشيعية حتي آتي صلاح الدين الأيوبي و قضي علي دولتهم و أعاد مصر الا الاسلام السني الصحيح و شتت الفاطميين في الأرض، ثم قفذنا بالأحداث الي السبيعينيات و ذكرنا كيف وصلت الي القاهرة شنطة بها عشرات الملايين من الجنيهات و تم تقديمها للسادات ليصدر قراراً باعادة افتتاح مسجد الحاكم بامر الله و اعادة احياءه و ترميمه حتي يكون مزاراً كبيراً يجذب المصريين و غيرهم اليه -كما نري اليوم- ثم عدنا بالزمان الي الوراء قليلاً و تحديداً لعام ١٩١٤ و ذكرنا أنه و علي مكاناً ليس ببعيد عن هذا المسجد المقدس المريب حيث جلس هذا الجاسوس الذي برتبة امير و الذي عاد لمصر ليرثها و يطعم اهلها السُذج المزيد من الحلاوة، و ذكرنا ما كتبه في مذكراته بعد ذلك بوقت طويل عن هذا اليوم و الذي قال عنه جاسوسنا البرنس: “ كان الوضع السياسي مضطرباً و دقيقاً ، كان عباس بالآستانة و مصر بدون حاكم، و كانت النتيجة في مصر شيئاً يقارب الفوضي….لقد ذهبت انا الي مصر مع زميل لي ، و انصرفنا فوراً إلي أداء مهمتنا الدقيقة الشاقة المتشعبة إلي طبقات كثيرة من المجتمع المصري، فكان علينا أولاً أن نكسب القصر و العلماء رؤساء جامعة الأزهر، كما كان هناك عامة الشعب المصري، منهم المتعلمون الذين يجلسون في المقاهي يطالعون و يناقشون الي مالا نهاية أخبار الحرب….و الفلاحون الذين كانوا و لا يزالون المصدر الحقيقي لقوة مصر….كان علينا أن نقنع هؤلاء بأن يؤازروا قضية الحلفاء ” و توقفنا عند السؤال عمن يكون هذا الجاسوس البرنس......اقرأ المزيد

عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الثالث - الصعايدة وصلوا…..و السادات الذي اكل الحلاوة و اكلنا معاه

كُتبت في ١ ابريل ٢٠١٦
الأسكندرية - منتصف الثمنينيات
الساعة الآن تجاوزت العاشرة مساءاً و الأسكندرية يكسوها الشتاء و الظلام…..و ياله من شتاء…و ياله من ظلام….كم كان يبهرني و يجذبني هذا الظلام الشتوي السكندري بسحره و لمعان نجومه المرتعشة التي ألمحها وسط المطر وبين فترات الراحة بين كل نوبة برقاً و رعداً تآتيني من السماء فأرتعد منها خوفاً أو يغمرني الضحك بلا سبب…و كذلك كانت تبدو عيني أبي رحمه الله ، سوداء تحوي سحر الكون و تلمع باسرار بدأت كتلك النجوم المرتعشة و كأن إذا تكلم رأيت نوبات البرق و الرعد و هو يصف الأحداث و الحوارات في قصصه المثيرة. و كنت أنا و أخي الأصغر خالد قد استلقينا في فراشنا و تمددنا بينما جلس هو كعادته -في تلك الفترة- الي جوارنا ليكمل لنا ما وعدنا بروايته من أحداث و قصص أجدادنا العظماء و أنباء بطولاتهم المذهلة و التي كثيراً ما اشعرتني بالفخر، و التي لم أكن أتخيل وقتها أنها لها علاقة بموضوع هذا البوست. و قال ابي بلهجته الأسوانية بعد ان انتهي من تلك الكُحة المهيبة التي كنت انا و أخي كثيراً ما نحاول ان نقلده في صوتها : “و لما بلغ الفارس نصر بن راجح و ابن الأمير هولة شقيقة جدكم بوزيد مقتل أخواته الأتنين المُعيقل و عقل في ارض كوبا اللي هي تونس دلوقتي، و كان نصر ده ولد صغير مثلكم بس كان فارس و كان في المخ كبير و عنده قلب اسد زاي خاله بو زيد ، فركب الفارس الصغير نصر بن هوله فرسه و طلع من الصعيد ووصل لأرض تونس و قابل مهران و المُفضل اللي قتلوه أخواته الكبار و قتلهم…و كمان أصاب الخليفة زناتي ابوهم اللي هو حاكم تونس في فخده فيسقط مصاباً و يقول “للعلام” رئيس وزراءه “أقتل هذا المعلون” فيدخل العلام في صراع مع الطفل نصر بن هولة، الذي يخطفه من فوق حصانه و يدور به ثم يلقيه علي الأرض و يقول له “كنت أقدر أقتل لك يا علام، بس علشان فيه عهد بينك و بين خالي ابو زيد ، فأنا وفي للعهد” فينسحب العلام في ذلة و هو لا يخفي أعجابه بفارسنا الصغير. و كان للزناتي خليفة أبنة أسمها سعدة فأرسلت أخيها المتيم و الذي كان في اول اسبوع عسل في جوازه و أخبرته بما فعله هذا الطفل نصر ابن هولة بإبيها و بأخيها مهران و المُفضل، فغضب المتيم و قال “والله ما يعيش واصل” و قام الي عروسه و قال لها “إركبي خلفي علي الفرس” و كانت العروسة هي “الباسمة بنت العلام” الوزير اللي مسخره الطفل نصر بن هولة و أخذ معه عدد من الفرسان و أنطلق ليلقي فارسنا الصغير نصر بن هولة ......اقرأ المزيد

عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الثاني - الدعاة الجدد …. و الأنبياء الكاذبون


كُتبت في ٢٦ مارس ٢٠١٦
“اللهم صل علي عبدك ووليك ثمرة النبوة….و سليل العزة الهادية، عبد الله الإمام معد أبي تميم المعز لدين الله، أمير المؤمنين كما صليت علي آبائه الطاهرين، و أسلافه الأئمة الراشدين” …….!!!! هكذا رُفع دعاء أول خطبة جمعة رسمية في سنة ٣٥٨ هجرياً بعد أن أحكم الفاطميون حكمهم علي مصر و بعد أن أكل المصريون الحلاوة! و للأسف كانت تلك الخطيب يصدح بهذه الدعوة داخل الجامع العتيق كما كان يسمي و الذي تعرفه الآن باسم جامع عمرو ابن العاص و هو اول جامع وضع للناس في افريقيا و خارج الجزيرة العربية، و هو الجامع الذي سيتم تعمد أهماله لقرون -وهكذا حال المساجد المجاهدة في بلادنا- حتي اصبح لا يعدو خرابة لتجميع الوسخ و القاذورات حتي عفا الله عنه و سخر له من ينظفه و يحييه و يكرمه مرة اخري في سبيعنيات القرن الماضي! سمع المصريون الدعاء و قالوا أمين و طعم الحلاوة لا يزال في افواههم تذكرهم بها تلك النظرات العابسة التي أكتست بها ملامح رجال النظام الجديد الدين حرصوا علي الظهور في كل المناسبات الدينية و شعائرها -ما اشبه اليوم بالبارحة- و بالرغم من أن نص خطاب قائد المجلس العسكري جوهر صقلي يبدو ظاهرياً بأنه متسامح الا أن سرعان ما بدأ النظام الجديد يتدخل في الشئون الدينية مطالبة بضرورة “تجديد الخطاب الديني” و يوم بعد يوم بدأ النظام يكشر عن انيابه و بدا واضحاً انه قد يحدث لجوءاً للقوة لفرض المذهب الشيعي علي المصريون آكلي الحلاوة. كان الفاطميون الشيعية يعلمون جيداً كما قلت في الجزء الأول ان للمصريين طبيعة خاصة في ارتباطهم بالدين -هي تلك الطبيعة التي يسخرون منها الآن و يقولون عليها شعب متدين بطبيعته- كأنوا يعلمون أنهم ليسوا مثل شعوب المغرب و شمال افريقيا من الأمازيغ او البربر حديثو العهد بالاسلام و تلك الشعوب التي الدين لديها ضعيف او غير ثابت، فالدين عند المصريين -مسلمين و مسيحين و يهود- راسخ القدمين، ذو جدور متينة في الشخصية المصرية -ومازال هذا في شخصية المصريون الي اليوم- و لهذا فقد افاض عليهم الفاطميون بالمزيد من الحلاوة و بدؤوا في تنفيذ مخطط تميع الدين و نشر الخرافات حتي يبعدوهم عن الاسلامي السني الصحيح فيختلط عليهم الامر فيفعلون ما يفعله الشيعة او حتي اصحاب الديانات الأُخري. و هنا ظهر طائفة “الدعاة الجدد” و تجار الدين و سماسرة الحكم الفاطمي و تم فتح المنابر لهم للحديث و نشر كلامهم علي العامة فبدأت الخرافات تشيع بين الناس......اقرأ المزيد

عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الأول - ميحكمشي


كُتبت في ٢٤ مارس ٢٠١٦
هكذا يشدو الأطفال في ليالي رمضان و هم يحملون فوانيسهم الجميلة وسط ضحكاتنا و سعادتنا بهم بينما نحن جالسون نأكل الكنافة و القطايف و نلتهم الخشاف قبل أن يآتيني المسحراتي تسبقه صوت طبلته و هو يقول “اصحي يا نايم، وحد الدايم”….كم جميلة هي تلك الأجواء الرمضانية التي لا تراها في اي مكان في العالم الا في مصر. لا أعرف مدي التغير الذي طرأ علي هذه الأجواء او تلك الصورة الكلاسيكية لرمضان بسبب اقامتي خارج مصر منذ زمن طويل، و علي كل الأحوال لا يهمني التغير الذي طرأ عليها ، فأن هذه الصورة لم و لن يمحوها اي شئ في الدنيا ، حتي الزمن نفسه! و ليس هناك شك ان تلك الصورة الذهنية ليالي رمضان المصرية الجميلة ترتبط برابط مباشر بصور أُخري مميزة لا تراها الا في مصر مثل ليلة موالد النبي و الحلويات الجميلة و الحصان و العروسة الحلوي الذان كان يسرقا عقولنا و نحن اطفال صغار و ننتظز من العام للعام للحصول عليهم ، و ايضاً عاشورا و مولد سيدنا الحسين و تلك الأطباق الشهية من الرز باللبن و المهلبية المزينة بالزبيب و المكسرات و ليلة الاسراء و المعراج و ليلة منتصف شعبان و الي آخره من احتفالات لا تراها في اي بلد اسلامي الا في مصر….و لعله من الطبيعي ان نقول ان مصر بلد المهرجانات -لا اقصد مهرجانات المدفعجية و فيفتي و اوكا و اورتيجا- انما مهرجانات قلبت كل المظاهر الدينية الي مهرجانات اكل و شرب و حلوي و غناء و رقص و مولد يا دنيا مولد! و لانه دايماً ما يتصادف في تجمعاتنا شخص مثقف صعلوك فسرعان ما نسمعه يمصمصم في شفتيه و يقول “الله يمسيهم بالخير ، الفاطميين، هم اللي علمونا المظاهر الجميلة ديه….صانعو البهجة فعلاً” ثم يبدأ في سرد قصص اسطورية عن لماذا قرر الحاكم بامر الله فرض هذا الطقس و لماذا منع هذا و لماذا سميت تلك الحلوي بهذا الاسم و تلك بهذه التسمية و الي آخره من حكايات و معلومات طريفة لا تتعدي في طرافتها وواقعيتها طرافة وواقعية قصص الف ليلة و ليلة......اقرأ المزيد