عندما أكلت مصر الحلاوة
الجزء الثاني - الدعاة الجدد….و الأنبياء الكاذبون
صورة للحاكم العسكري و الرئيس المؤمن انور السادات و هو يخطب في المسجد الحسين -قصر الزمرد الفاطمي سابقاً- بمناسبة المولد النبوي الشريف في سنة ١٩٧١
كُتبت في ٢٦ مارس ٢٠١٦
“اللهم صل علي عبدك ووليك ثمرة النبوة….و سليل العزة الهادية، عبد الله الإمام معد أبي تميم المعز لدين الله، أمير المؤمنين كما صليت علي آبائه الطاهرين، و أسلافه الأئمة الراشدين” …….!!!! هكذا رُفع دعاء أول خطبة جمعة رسمية في سنة ٣٥٨ هجرياً بعد أن أحكم الفاطميون حكمهم علي مصر و بعد أن أكل المصريون الحلاوة! و للأسف كانت تلك الخطيب يصدح بهذه الدعوة داخل الجامع العتيق كما كان يسمي و الذي تعرفه الآن باسم جامع عمرو ابن العاص و هو اول جامع وضع للناس في افريقيا و خارج الجزيرة العربية، و هو الجامع الذي سيتم تعمد أهماله لقرون -وهكذا حال المساجد المجاهدة في بلادنا- حتي اصبح لا يعدو خرابة لتجميع الوسخ و القاذورات حتي عفا الله عنه و سخر له من ينظفه و يحييه و يكرمه مرة اخري في سبيعنيات القرن الماضي! سمع المصريون الدعاء و قالوا أمين و طعم الحلاوة لا يزال في افواههم تذكرهم بها تلك النظرات العابسة التي أكتست بها ملامح رجال النظام الجديد الدين حرصوا علي الظهور في كل المناسبات الدينية و شعائرها -ما اشبه اليوم بالبارحة- و بالرغم من أن نص خطاب قائد المجلس العسكري جوهر صقلي يبدو ظاهرياً بأنه متسامح الا أن سرعان ما بدأ النظام الجديد يتدخل في الشئون الدينية مطالبة بضرورة “تجديد الخطاب الديني” و يوم بعد يوم بدأ النظام يكشر عن انيابه و بدا واضحاً انه قد يحدث لجوءاً للقوة لفرض المذهب الشيعي علي المصريون آكلي الحلاوة. كان الفاطميون الشيعية يعلمون جيداً كما قلت في الجزء الأول ان للمصريين طبيعة خاصة في ارتباطهم بالدين -هي تلك الطبيعة التي يسخرون منها الآن و يقولون عليها شعب متدين بطبيعته- كأنوا يعلمون أنهم ليسوا مثل شعوب المغرب و شمال افريقيا من الأمازيغ او البربر حديثو العهد بالاسلام و تلك الشعوب التي الدين لديها ضعيف او غير ثابت، فالدين عند المصريين -مسلمين و مسيحين و يهود- راسخ القدمين، ذو جدور متينة في الشخصية المصرية -ومازال هذا في شخصية المصريون الي اليوم- و لهذا فقد افاض عليهم الفاطميون بالمزيد من الحلاوة و بدؤوا في تنفيذ مخطط تميع الدين و نشر الخرافات حتي يبعدوهم عن الاسلامي السني الصحيح فيختلط عليهم الامر فيفعلون ما يفعله الشيعة او حتي اصحاب الديانات الأُخري. و هنا ظهر طائفة “الدعاة الجدد” و تجار الدين و سماسرة الحكم الفاطمي و تم فتح المنابر لهم للحديث و نشر كلامهم علي العامة فبدأت الخرافات تشيع بين الناس
و الحقيقة أنني أري أنه من المهم قبل الحديث عن الدعاة الجدد أن نتوقف و نتحدث عن الأزهر قليلاً، و هو المسجد الذي كان جوهر الصقلي قد قام ببناءه لنشر الفكر الشيعي و أصبح هو القائم بنشر الخطاب الدين الجديد بين الناس، فالمسجد الأزهر كان قد تم بنائه بهدف جعله الجامعة الأسلامية الأولي في العالم الأسلامي -و قد كان و لا يزال- و الغريب ان جوهر الصقلي -قائد المجلس العسكري- قد حرص علي بناء المسجد علي مقربة من قصر الحكم حتي يستطيع الخليفة أن يباشر حكمه بالقرب منه و ليصدر من القصر القوانين و التشريعات فتهبط الي الأزهر فتأخذ الشكل الطابع الديني، بأختصار لقد انشئ الأزهر ليكون الناطق الديني باسم الحاكم، و الغريب أنه حتي بعد زوال حكم الفاطمين فأن الأزهر ظل -و مازال- يؤدي نفس الدور المرسوم له، لا يهم من يحكم سواء كان الفاطميون او الأيوبيين من بعدهم اما المماليك او العثمانين او اولاد محمد علي و احفاده من خديوي و ملوك و سلاطين الي عصر العسكر و الآفاقين، لا يهم من يجلس علي العرش….لا يهم اسمه او لقبه او شكله ، المهم هو تأديه المهمة الرسمية التي حددها له جوهر الصقلي! و لعل هذا هو سبب تلك الهيبة التي يتمتع بها الأزهر و التي بلا شك ستجعل البعض يغضب من هذا البوست و يهاجمني !!!! الطريف في موضوع الازهر و قصر المعز لدين الله او الحكام الفاطميون هو ان هذا القصر كان معروفاً باسم الزمرد، و في سنة ٥٥٤ هجرياً اي في اواخر عصر الفاطمين قرروا ان ينقلوا رأس سيدنا الحسين الي مصر من مدينة عسقلان الفلسطينية و عندما أحضرواها ثم وضعها في سرداب ، ثم قام الخليفة الفائز ببناء قبة له المعروفة باسم قبة المشهد و التي نراها حالياً ثم سقطت الدولة و سقط القصر و لم تبقي سوى قبة سيدنا الحسين و سرعان ما بني المصريون بميراث ما ورثه من الفاطمين من حب لآل البيت مسجداً حول القبة ليصبح المسجد الحسين الذي نراه اليوم و أحد أهم ساحات المهرجانات التي تعلمها المصريون من الفاطميون و اكبر سوق للحلاوة في مصر! و كانت اول الأوامر التي صدرت للأزهر هو امر قائد المجلس العسكري جوهر الصقلي بقطع الدعاء للخليفة العباسي و أن يتم بدء الخطبة ب” اللهم صل علي محمد المصطفي، و علي علي المرتضي و علي فاطمة البتول، و علي الحسن و الحسين سبذي الرسول، الدين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً و صل علي الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله” و أما الدعاة الجدد فكان من أمرهم العجب!
أحد هؤلاء “الدعاة الجدد” هو الفقيه “الحسن بن زولاق المصري” و كان الرجل فقيه و متحدثه و مؤرخاً “ملاكي للمعز لدين الله” و يقال أنه كان صديقه المقرب، و راح هذا الداعية بن زولاق ينشر أكاذيبه عن أن المعز إمام شديد التقوي و الورع و أنه حينما يؤم الناس للصلاة يبكي -زاي صاحبنا اللي كان بيبكي في صلاة الظهر- و ذكر عنه في البيوجرافي الذي كتبه عنه أنه عندما ذهب وفداً من المصريين للقاء المعز في الأسكندرية بعد رسو السفينة التي تحمله أنه قال لهم “إنه لم يسر لأزدياد في مُلك و لا رجال، و لا سار الإ رغبة في الجهاد و نصرة للمسلمين” “مسافة السكة” نفس ما قاله نابليون بونابرت و ما قاله جنيكز خان و غيرهم من المجرمين! و كان من ضمن هؤلاء الدعاة الجدد كبير سحرتهم الفقيه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور و هو غير الأمام الكبير إبي حنيفة النعمان، فهذا الفقيه او السفيه الشيعي معروف باسم ابن حيون التميمي القيرواني، و كان هذا السفيه من اقوي اعمدة حكم عبيد الله المهدي مؤسس هذه الدولة الشيطانية في المغرب و لهذا فأن المعز لدين الله لم يتردد في اصطحابه معه في ركبه الي الأسكندرية و كان بالنسبة للمعز أهم مستشاريه و أكثر من يثق فيهم و أقرب الأصدقاء و جعله قاضي القضاة و ما ان وصل هذا الداعية الجديد الي مصر حتي ذهب يسعي يبث سمومه هنا و هناك فألف الكثير من الكتاب ذات العناوين الخادعة مثل “دعائم الأسلام و ذكر الحلال و الحرام في القضايا و الأحكام” و هو بالمناسبة لا يزال متن الفقه الشيعي الأول الي يومنا هذا. ثم قام هذا الخبيث فتصدر ساحة الأزهر، فكان لا يتوقف عن اللعب بالآيات و الأحاديث و تحريفها لما يوصل الناس الي الأعتقاد في مبدأ الأمام و الولاية و أن الله أختص بها علي بن ابي طالب و أبنائه من آل البيت بها وحدهم دوناً عن كل الناس و يصف الأئمة بما فيهم المعز لدين الله بأنهم “خلق من خلق الله، و عباد مصطفون من عباده، يفترض طاعة كل امام منهم علي اهل عصره، و وجب عليهم التسليم لأمره، و تقترن طاعتهم في كتابه بطاعتهم و طاعة رسول الله و هم حجج الله علي خلقه و خلفائه في الأرض”
و علي هذا النحو حاول هذا الشيطان أن يضع تلك الأفكار الغريبة بأدمغة المصريون و الحقيقة أن اي دارس لهذا الفكر او هذا المذهب سيدرك من تلك العبارات أنهم لا يرفعون سيدنا علي فقط الي مرتبة النبوة، و أنما يرفعون كل الأئمة بل ان قول هذا السفيه الخبيث الدي يصف فيه الأئمة بأنهم حجج الله علي خلقه يتطابق مع قول الله لنبيه “و كيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيداً” بل أنهم يذهبون الي ابعد من هذا فيألفون أكاذيب اسطورية عن معجزات هؤلاء الأئمة منها ما رواه أحد الدعاة الجدد و المعروف باسم عماد الدين إدريس في كتابه “زهرة المعاني”، يقول هذا الداعية السفيه عن وفاة الإمام إسماعيل بن الأمام جعفر الصادق أنه بعد ان توفي و دفن ، ظهر مرة أُخري للناس في البصرة و يقول في ذلك “و أقبل إليه الناس يهرعون، و هم يقولون: هذا إسماعيل بن جعفر عاد حياً” و إنه لما تجمع الناس حوله مسح بيده الشريفة المباركة علي رأس هذا و كان مريضاً فبري من مرضه، و انه مسح علي وجه هذا و كان كفيفاً فارتد اليه بصره و أنه أبر الأكمة و الأبرص و كأن عماد الدين ادريس يتحدث عن السيد المسيح لقوماً يجهلون. و هكذا أنطلقت الأكاذيب و الخرافات لتشيع بين الناس عن هؤلاء الأئمة المبروكين أو النبيين الذي يآتون بالمعجزات بل ان الأمر أختلط علي الناس فساروا يعتقدون في قدرات رجلاً في قبره يسمونه ولي يتبركون به و يدعون الله به و هذا في المعتقد السني شرك، حتي أنه جاءنا في القرن المنصرم رجلاً قذراً لا يتوقف عن شرب الخمر و مصادقة الحسناوات الشقراوات و كان لعنة الله عليه جاسوساً بدرجة أمير و كاد أن يتولي حكم مصر قبل ان يشيع الخبر فيترجع الأنجليز عن تعينه حاكماً لمصر و لكنه يظل بها الي يوم وفاته بل و يموت و يدفن فيها فيصبح قبره أحد المعالم السياحية في مصر و رمزاً -كذباً- للوفاء و الحب و ها هو إبنه مازال يحلم بحكم مصر الآن و ينفق الملايين في دعم تنظمات سرية من اجل تحقيق حلمه هذا و استعادة مُلك أجداده الشيعة الأولون و هذا ما سأتحدث عنه في الجزء الثالث….و لكن قبل ان انهي هذا الجزء أحب أن اقول أنه رغم كل هذه الدعاية و الولائم و المهرجانات التي أقامها الفاطميون في مصر و محاولاتهم المستميتة في استمالة قلب المصريين و تحريف مذهب السني -وان كانوا قد حققوا بعض النجاح في هذا- الا أنه سرعان ما ظهر لهم شخصية صعلوك مثقف بلسان طويل -مثلنا- اراد ان ينكد عليهم ، ففي أحد ايام الجمع صعد الخليفة العزيز المنبر ليخطب الجمعة فوجد رقعة مكتوب عليها بيتان من الشعر يقول فيها كاتبها المجهول
بالظلم و الجور رضينا….و ليس بالكفر و الحماقة
إن كنت أُعطيت علم غيب….قل لنا كاتب البطاقة
فبهت الذي كفر…….و الي اللقاء في الجزء القادم
التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل
اقرأ ايضاً: الجزء الثالث من أسطورة القط ذو السبعة ارواح
تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد