عندما أكلت مصر الحلاوة

الجزء الثالث - الصعايدة وصلوا…..و السادات الذي اكل الحلاوة و اكلنا معاه

كُتبت في ١ ابريل ٢٠١٦

الأسكندرية - منتصف الثمنينيات
الساعة الآن تجاوزت العاشرة مساءاً و الأسكندرية يكسوها الشتاء و الظلام…..و ياله من شتاء…و ياله من ظلام….كم كان يبهرني و يجذبني هذا الظلام الشتوي السكندري بسحره و لمعان نجومه المرتعشة التي ألمحها وسط المطر وبين فترات الراحة بين كل نوبة برقاً و رعداً تآتيني من السماء فأرتعد منها خوفاً أو يغمرني الضحك بلا سبب…و كذلك كانت تبدو عيني أبي رحمه الله ، سوداء تحوي سحر الكون و تلمع باسرار بدأت كتلك النجوم المرتعشة و كأن إذا تكلم رأيت نوبات البرق و الرعد و هو يصف الأحداث و الحوارات في قصصه المثيرة. و كنت أنا و أخي الأصغر خالد قد استلقينا في فراشنا و تمددنا بينما جلس هو كعادته -في تلك الفترة- الي جوارنا ليكمل لنا ما وعدنا بروايته من أحداث و قصص أجدادنا العظماء و أنباء بطولاتهم المذهلة و التي كثيراً ما اشعرتني بالفخر، و التي لم أكن أتخيل وقتها أنها لها علاقة بموضوع هذا البوست. و قال ابي بلهجته الأسوانية بعد ان انتهي من تلك الكُحة المهيبة التي كنت انا و أخي كثيراً ما نحاول ان نقلده في صوتها : “و لما بلغ الفارس نصر بن راجح و ابن الأمير هولة شقيقة جدكم بوزيد مقتل أخواته الأتنين المُعيقل و عقل في ارض كوبا اللي هي تونس دلوقتي، و كان نصر ده ولد صغير مثلكم بس كان فارس و كان في المخ كبير و عنده قلب اسد زاي خاله بو زيد ، فركب الفارس الصغير نصر بن هوله فرسه و طلع من الصعيد ووصل لأرض تونس و قابل مهران و المُفضل اللي قتلوه أخواته الكبار و قتلهم…و كمان أصاب الخليفة زناتي ابوهم اللي هو حاكم تونس في فخده فيسقط مصاباً و يقول “للعلام” رئيس وزراءه “أقتل هذا المعلون” فيدخل العلام في صراع مع الطفل نصر بن هولة، الذي يخطفه من فوق حصانه و يدور به ثم يلقيه علي الأرض و يقول له “كنت أقدر أقتل لك يا علام، بس علشان فيه عهد بينك و بين خالي ابو زيد ، فأنا وفي للعهد” فينسحب العلام في ذلة و هو لا يخفي أعجابه بفارسنا الصغير. و كان للزناتي خليفة أبنة أسمها سعدة فأرسلت أخيها المتيم و الذي كان في اول اسبوع عسل في جوازه و أخبرته بما فعله هذا الطفل نصر ابن هولة بإبيها و بأخيها مهران و المُفضل، فغضب المتيم و قال “والله ما يعيش واصل” و قام الي عروسه و قال لها “إركبي خلفي علي الفرس” و كانت العروسة هي “الباسمة بنت العلام” الوزير اللي مسخره الطفل نصر بن هولة و أخذ معه عدد من الفرسان و أنطلق ليلقي فارسنا الصغير نصر بن هولة”

صمت ابي قليلاً بينما أنا و أخي خالد في شوق لمعرفة باقي الأحداث و قد أتسعت عيوننا عن آخرها و ظننا و كأن إبي كان هناك شاهداً علي هذه المعركة….لم يطل صمت إبي كثيراً قبل ان يعتدل في جلسته و يدع بعض من اصوات كُحته ينطلق ثم أبتسم ابتسامة خفيفة و قال: “ و دخل المتيم ارض المعركة ، فاتح صدره و عامل فيها فارس و الباسمة بنت العلام علي فرسه من وراه…مين قده؟ و قال: قولوا لي ابن هولة ده قاعد فين؟
و حياة كتاب الدلايل
حضر المتيم الأمير
لازم يتم حزن الهلايل (يعني بني هلال أهل نصر) فرد عليه نصر و قال: حضرت يا كداب؟
رُد بس سمع البنية (يعني قصده علي صوتك و ارسم نفسك و اعمل حركتين كده قدام البنت اللي معك) طب إيه يا واد انت اللي جايبها وراك ديه؟
فارس أنت؟
طب روح ، لأجل البنية عتقناك
يا بو شاش علي القرن مايل (يعني يا شاب يا روش) و الله لولا العروسة م كنا فوتناك أحنا أعتبرنا ست الدلايل (يعني عملنا حساب للبنت المدللة اللي معك ديه) هو ياواد اللي عاوز يحارب و يموت يجيب بنت وراه
طب ايه رأيك محرم عن الحرب (يعني انت احقر مني اني احاربك) ده أنا نصر كايد نديدي (يعني انا نصر الفارس اللي سابق سنه) متا قدرت الطعن و الضرب (يعني ازاي هتستحمل ضرباتي يا فرفور) و أنا حلفت لأجيبك بايدي (يعني انت آخرك اعلق بايدي من غير سلاح) و أنقلب وجه ابي للجد و ظهر الرعد و البرق في عينه و هو يقول : خوي عليه و أتاله بهرجة (يعني نصر احاط المتيم بحصانه و عمل شوية أكشن) و شوف العجب و العجوبة
جذبه من بحر سرجة
و خطفه من فوق الركوبة
يعني نصر بعد ما حاوط المتيم و عروسته علي حصانهم خطفه بايده و خطف معاه عروسته كمان الباسمة بنت العلام وبمنتهي الشجاعة وقف في قلب ميدان الحرب و قال لفرسان جيش تونس: وأهو زعيمكم خطفناه
وحياة كتاب الدلايل
كرمناه لاجل اللي وراه
كرمناه لاجل ست الدلايل
و أكمل إبي “و بكده أخد الأمير الصغير و الفارس الكبير الشجاع نصر بن هولة المتيم بن الخليفة زناتي و الباسمة بنت العلام اسري حرب و جاء بهم علي مصر و دخل علي ديوان السلطان حسن بن سرحان و كان جالس فيه خاله ابو زيد سلامة فقال له يا خال: قتلنا مهران و المُفضل و جبت لك هدية؟ فقال له سلامة: إيه جبت يا ولد أختي؟ فقال المتيم و الباسمة بنت العلام اسري، فغضب ابو زيد و قال: و الله الكلام ده مينفعش…من متا بنأخد احنا البنات أسري…و دونا عرسان يا ولدي؟ و نادي علي عبده قمصان فقال له: “يا قمصان تأخد المتيم و الباسمة و ترحل بيهم علي ارض تونس قبل م اقوم من المجلس، و لما توصل تقول للعلام ، الهلايل صانوا عرضك. و ان عرض عليك هدية لا تأخذها” فقال قمصان :امرك يا سيدي. و رحل بالعروسين الي ارض تونس!

صمت ابي و أنا أنظر إليه و أنتظر باقي القصة و لكنه اشار الي أخي خالد و الذي كان قد ذهب في نوم عميق كعادته و قال لي “الباقي بكرة، يلا نام علشان مدرستك الصبح” و طبعاً لم استطيع النوم مثل كل يوم الا بعد عناء بسبب استغراقي في التفكير في كل هذه الاحداث و الأسماء و القصص، و كنت دائماً ما اسرح بخيالي و انا في المدرسة فأتخيل نفسي انني فارس من فرسان بني هلال و كنت لا اتردد عن الاستعانة بتلك الحيل التي يقوم بها ابو زيد و اخته شيحة و باقي الشخصيات كما كان يحكيها لنا ابي لأنتصر في صراعاتي الصبيانية مع زملاء في المدرسة الأبتدائية او في شارعنا…و لكن لم أتخيل في ذلك اليوم انني سأجد إبحث بجدية خلف هذه الأحداث و عن مدي صحتها و لعلكم تعقدون هذا إيضاً و من المؤكد أنكم تتسألون ما علاقة هذه الأساطير بموضوع السلسلة و في الحقيقة ان ما أحكيه هو ما خُفي عنكم و عني و عن باقي المصريين الذي لا يعرفون ان من زلزل الأرض من تحت اقدام الفاطمين و هدد الوجود الشيعي في مصر لم يكن يكون الا ابو زيد الهلالي و دياب ابن غانم و الطفل نصر بن هولة و باقي فرسان و بنات بنو هلال….فالعلام هذا الذي حكيت عنه او بمعني اصح أخبرتكم من امره ما رواه لي ابي لم يكن سوي المعز بن بارديس اهم امراء بنو زيري و الذي حكم مملكة افريقية و هي ارض تونس و القيروان لمدة ٤٧ سنة و الذي تحول من المذهب الشيعي الي المذهب السني و الدي تحدي الفاطمين الشيعة في مصر ووصل به الامر الي اصدر امر بقتل اي فرد منهم، و قد كان! و يوجد ابياتاً من الشعر في هذا تقول
يا معز الدين عش في رفعة…و سرور و أغتباط و جذل
أنت ارضيت النبي المصطفي…و عتيقاً في الملاعين السُفل
و جعلت القتل فيهم سنة…بأقاصي الأرض ، في كل الدول

و يقال ان المعز بن بارديس كان هو نفسه الزناتي خليفة لانه ينتمي الي قبيلة زناتة. و الغريب انه عندما قذع علاقته بالدولة الشيعية في مصر و اصدر قرار بالدعاء للخليفة العباسي علي المنابر و ان تتحول تونس رسمياً الي المدهب السني مرة أخري ، قام المستنصر الفاطمي في مصر بتحريض بني هلال و بني سليم عليه و ذلك بعد ان قام المستنصر بعقد أجتماع في القاهرة للتنظيمي السري الشيعي الاسماعيلي -الذي لا يزال قائماً- و قرروا انهم اذا ارسلوا بني هلال و بنو سليم الي هناك للحرب سيكون ذلك في مصلحتهم سواء انتصروا او انهزموا ، فان أنتصروا يكونون بذلك تخلصوا من المعز بن بارديس و ليتركوا لهم تونس يتصارعون عليها و أما إن انهزموا فقد تخلصوا منهم و من متاعبهم…..و كانت هاتان القبيلتين و معهم من تحالف معهم من قبائل الصعيد يشكلون قلقاً دائماً للحكم الفاطمي الشيعي فمصر ، فهذه البقعة من ارض مصر لم تأكل الحلاوة و لم يستطيع الشيعة فرض عقائدهم عليهم و لا تمريرها مع قطع الحلوي و كان هذا سببا لكراهية مستحكمة -كما هو الحال في كل العصور و حتي يومنا هذا و لعل هذا يفسر سر العداء و الاستهزاء الأعلامي الدي تدفع به الدولة تجاه الصعيد و أهله- و لذلك فقد رأي المجلس ان هذه الحرب ستكون فرصة للتخلص منهم و كان صاحب الفكرة الوزير الخبيث الحسن بن علي اليازوري عضو المجلس العسكري و التنظيم السري الشيعي الإسماعيلي و هكذا انطلقت الحملات لتبدأ حلقات من الصراع الكبير نسمع منها ومضات غامضة في السيرة الهلالية التي كان ابي رحمه الله يحرص علي رويتها لنا و لسنوات عده قام الشيعة الفاطميون بتسليح بني هلال و بنو سليم و دعمهم بالمال و العتاد و المؤن و بمجرد ان تغلب الهلالية من السيطرة علي ارض تونس و هزيمة المعز بن بارديس قاموا بحملات مرتدة مسحوا فيها برأس الفاطمين الارض و السماء و كانوا الشوكة التي تنخر في جنوب مصر حتي جاء صلاح الدين و استقل بمصر و أسقط الدولة الفاطمية فيها و أعاد الي مصرالاسلام السني الصحيح

في منتصف السبيعينات من القرن الماضي و بعد مرور قرب ال٨٠٠ سنة علي اندثار دولة الشيعة الاسماعيلية في مصر وبعد انتصارات بني هلال و بني سليم و صلاح الدين، وصلت الي القاهرة شنطة بها مبالغ مالية توازي ما قيمته عشرات الملايين من الجنيهات المصرية و التي تم انفقاها من اجل ترميم مسجد الحاكم بأمر الله و إعادة احياه بعد ان وافق الرئيس المؤمن علي طلب تقدم به التنظيم السري للشيعة الاسماعيلية للموافقة علي اجراء الترميم و التجديد و لا أعرف علي وجه الدقة كمية الحلاوة التي تناولها الرئيس المؤمن و هو يوافق علي الطلب المريب و لكن من المؤكد ان كمية الحلاوة كانت كبيرة جداً أو ربما تكون مجاملة لمساعدته في سياسته المعروفة بشتيت المعارضة أو اقحامها في صراعات جانبية و ليس هناك في بلادنا افضل من الصراع المذهبي و ذهب السادات بنفسه لأفتتاحه وسط كم كبير من الحراسة خوفاً من أغتياله -من فضلك أعد قراءة هذا الجزء و فكر فيه جيداً لانه مهم- و الغريب أن المسجد الذي تم احياه و هو بالمناسبة مكان مقدس لأفراد التنظيم و اتباعهم قد تولي امر رعايته افراد تابعون للتنظيم السري و هم يحيطيون به بمساكنهم و متاجرهم و امالكهم الضخمة ، أما من هؤلاء؟ و كيف وصلوا الي هذا؟ فتعالي و اركب معي بساط الريح و لنعود بالزمان الي عام ١٩١٤و بدأية الحرب العالمية الأولي، و علي مكاناً ليس ببعيد عن هذا المسجد المقدس المريب حيث يجلس هذا الجاسوس الذي برتبة امير و الذي عاد لمصر ليرثها و يطعم اهلها السُذج المزيد من الحلاوة، أنه يجلس الآن و يكتب ما سأقره انا في مذكراته بعد ذلك بوقت طويل، يقول جاسوسنا البرنس: " كان الوضع السياسي مضطرباً و دقيقاً ، كان عباس بالآستانة و مصر بدون حاكم، و كانت النتيجة في مصر شيئاً يقارب الفوضي….لقد ذهبت انا الي مصر مع زميل لي ، و انصرفنا فوراً إلي أداء مهمتنا الدقيقة الشاقة المتشعبة إلي طبقات كثيرة من المجتمع المصري، فكان علينا أولاً أن نكسب القصر و العلماء رؤساء جامعة الأزهر، كما كان هناك عامة الشعب المصري، منهم المتعلمون الذين يجلسون في المقاهي يذالعون و يناقشون الي مالا نهاية أخبار الحرب….و الفلاحون الذين كانوا و لا يزالون المصدر الحقيقي لقوة مصر….كان علينا أن نقنع هؤلاء بأن يؤازروا قضية الحلفاء” …….!!!! ما اشبه اليوم بالبارحة إيها النائمون في العسل…..يا تري من هذا الجاسوس البرنس؟ و ماذا حدث؟ و ماذا سيحدث او يحدث الآن؟؟؟؟ انتظروا الجزء الرابع

التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل



اقرأ ايضاً: الجزء الثالث  من أسطورة القط  ذو السبعة ارواح

تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد

أخترنا لكم