عندما أكلت مصر الحلاوة
الجزء الرابع - الجاسوس البرنس….عندما كادت ان تتشيع مصر
كُتبت في ٦ ابريل ٢٠١٦
ذكرنا في الجزء الثالث قصة بني هلال التي آتت من صعيد مصر و حروبها ضد المعز بن بارديس او الزناتي خليفة حاكم ارض كوبا أو ما يٌعرف الآن باسم دولة تونس و كيف انهم كانوا الشوكة التي اوجعت الدولة الفاطمية الشيعية حتي آتي صلاح الدين الأيوبي و قضي علي دولتهم و أعاد مصر الا الاسلام السني الصحيح و شتت الفاطميين في الأرض، ثم قفذنا بالأحداث الي السبيعينيات و ذكرنا كيف وصلت الي القاهرة شنطة بها عشرات الملايين من الجنيهات و تم تقديمها للسادات ليصدر قراراً باعادة افتتاح مسجد الحاكم بامر الله و اعادة احياءه و ترميمه حتي يكون مزاراً كبيراً يجذب المصريين و غيرهم اليه -كما نري اليوم- ثم عدنا بالزمان الي الوراء قليلاً و تحديداً لعام ١٩١٤ و ذكرنا أنه و علي مكاناً ليس ببعيد عن هذا المسجد المقدس المريب حيث جلس هذا الجاسوس الذي برتبة امير و الذي عاد لمصر ليرثها و يطعم اهلها السُذج المزيد من الحلاوة، و ذكرنا ما كتبه في مذكراته بعد ذلك بوقت طويل عن هذا اليوم و الذي قال عنه جاسوسنا البرنس: “ كان الوضع السياسي مضطرباً و دقيقاً ، كان عباس بالآستانة و مصر بدون حاكم، و كانت النتيجة في مصر شيئاً يقارب الفوضي….لقد ذهبت انا الي مصر مع زميل لي ، و انصرفنا فوراً إلي أداء مهمتنا الدقيقة الشاقة المتشعبة إلي طبقات كثيرة من المجتمع المصري، فكان علينا أولاً أن نكسب القصر و العلماء رؤساء جامعة الأزهر، كما كان هناك عامة الشعب المصري، منهم المتعلمون الذين يجلسون في المقاهي يطالعون و يناقشون الي مالا نهاية أخبار الحرب….و الفلاحون الذين كانوا و لا يزالون المصدر الحقيقي لقوة مصر….كان علينا أن نقنع هؤلاء بأن يؤازروا قضية الحلفاء ” و توقفنا عند السؤال عمن يكون هذا الجاسوس البرنس
قبل ان نقول من هذا الجاسوس البرنس…علينا ان نتعمق قليلاً في الأحداث التي وقعت وقتها و خلفيتها التاريخية بشكل مختصر بعض الشئ. ففي ١٨ ديسمبر ١٩١٤ أعلنت أنجلترا الحماية علي مصر و في اليوم التالي مباشرة أعلنت دار المعتمد البريطاني في مصر هربرت كتشنر الذي كان قد خلف اللورد كرومر الذي تسببت انتقادات الاديب الايرلندي جورج برنارد شو و جهود الزعيم مصطفي كامل التي كانت بدعم من عباس حلمي الثاني العدو اللدود للورد كرومر من أعفاءه من منصبه في عام ١٩٠٧ بسبب الظلم الذي حدث للفلاحين المصريين في حادثة دنشواي قرار بعزل الخديوي عباس حلمي الثاني و تعين الأمير حسين كامل حاكماً لمصر بلقب سلطان . و كان هذا القرار بهدف عزل مصر عن السلطنة العثمانية و يصبح لقب حاكم مصر موازياً للقب السلطان العثماني! و كانت مصر التي احتلتها بريطانيا في عام ١٨٨٢ و في عهد الخديوي توفيق ما تزال جزءاً من السلطنة العثمانية، و بعد ان مات الخديوي توفيق في ٧ يناير ١٨٩٢ تولي اكبر ابناءه و هو الخديوي عباس حلمي الثاني الحكم و كان اول ما فعله هو اقالة وزارة مصطفي فهمي باشا كلب الأنجليز الأول في مصر و هو بالمناسبة والد صفية هانم زغلول زوجة سعد باشا زغلول الصديق المقرب للورد كرومر و الذي قال عندما سمع بخبر عزل صديقه كرومر أنه كان حسب تعبيره ( كمن تقع ضربة شديدة على رأسه ..فلم يستشعر بألمها لشدة هولها ) فسارع لزيارة كرومر وتوديعه قائلا ( إني لا أفكر في شخصي ولكن في بلدي ومنفعتها التي سوف تخسر بعدك خسارة لا تعوض) فرد عليه كرومر ( لا خوف عليها من ذلك فإن خلفي قادر ،وقد تربى على مبادئي) آه و الله هذا سعد زغلول و سعد زغلول هذا اخوه احمد فتحي زغلول الذي كان احد من حكموا علي المصريين ظلماً في محكمة دانشوي و سعد زغلول هو عضو المجمع الماسوني و هو الذي ركب ثورة ١٩١٩ فيما بعد و اصبح زعيماً تاريخياً كنوع من ضرب القفا و تأكيل الحلاوة لمصر و المصريين
و كانت اقالة العميل الانجليزي مصطفي فهمي باشا نوعاً من التحدي للورد كرومر الذي يكرهه المصريون فكان ذلك بمثابة عربون المحبة الذي قدمه الخديوي عباس حلمي الثاني للمصريين و الذين لم يستطيعوا ان يكبحوا عاطفتهم عندما وجدوه بينهم في مسجد الحسين في ١١ يناير ١٨٩٣ يصلي الجمعة وسطهم فأرتفعت اصواتهم بالدعاء له و الهتاف له و من هنا بدأت عداوته لبريطانيا و للورد كرومر الذي ارسل لوزارة الخارجية البريطانية برسالة قال فيها ان الخديوي عباس حلمي الثاني في حوار معه قال له إن إنجلترا وعدت بترك مصر وشرفها مقيد بهذا الوعد!! و انتقل هذا التصريح او القول من وزارة الخارجية البريطانية الي مجلس النواب البريطاني و حتي إنها وصلت فيما بعد الي الملك ادوارد السابع الذي تولي الحكم في ١٩٠١ بعد وفاة الملكة فيكتوريا. في الوقت نفسه لم بعبأ الخديوي عباس حلمي الثاني بما باللورد كرومر و لا حكومة صاحب الجلالة و بالتالي سافر الخديوي عباس حلمي الثاني الي الاستانة ليشكر السلطان عبد الحميد الثاني علي تشجيعه له علي معارضة إنجلترا و لينال تأيده علي خطوات تحرير مصر و عودتها الي حضن الخلافة الأسلامية العثمانية! و بعد عودته الي مصر قام عباس حلمي الثاني بعدد من الافعال و اصدر الكثير من القرارات التي اذلت بريطانيا متها رفضه لزيادة الاعتمادات المخصصة للجيش البريطاني و تخفيض الضرائب علي الفلاحين و الشعب المصري و تعميم التعليم بين المصريين و غيرها من الاصلاحات التي أثارت ضجة في انجلترا وقالت الصحف الانجليزية إن الخديوي يعاملنا معاملة الأعداء وهددت بخلعه خاصة بعد ان قام الخديوي عباس حلمي بتهزيق الجيش الانجليزي و اتهامه انه يعاني من عدم مشكلة في كفاءة و ذلك خلال زيارة له لأسوان دعا خلالها ٣٣ ضابطا انجليزياً لتناول الطعام معه و كان بينهم كتشنر الذي كان قائد القوات الانجليزية في مصر و الذي غضب بشدة وقتها من هذه الاهانة و للعلم فإن الخديوي عباس حلمي الثاني كان قد درس مدرسة ترزيانوم بالنمسا لدراسة العلوم السياسية والعسكرية و كان عنده خبرة سياسية و عسكرية علي مستوي عالي و لا يقول كلام من فراغ و هنا طلب لورد كرومر منه أن يصدر أمرًا عسكريًا يثني فيه على الجيش البريطاني ، فاضطر الخديوي للإذعان في ١٢ يناير ١٨٩٤ و إمعانًا في الاذلاله طلبوا منه تغيير النظارة الحالية بأخرى بزعامة نوبار باشا ، و نوبار باشا هذا كان من احقر من اضاعوا مصر و رجل قمة في الخبث ، فهو من استطاع ان ينتزع الفرمانات من الدولة العثمانية و التي جعلت اسماعيل يستطيع بمقتضاها تعديل نظام وراثة العرش فأصبح في أكبر أبناء الوالي، كما استطاع أن يعقد اتفاقية تعطي إسماعيل حق عقد المعاهدات مع الدول الأجنبية، وحق عقد القروض وزيادة عدد الجيش والأسطول و كان مكروهاً من المصريين، فهو يدين بتعيينه للأجانب، فهو مؤسس المحاكم المختلطة التي سلبت حقوقهم و هو الذي اغرق مصر في الديون التي كان يأخذ عليها نسبة سمسرة و عمولات من المرابين الاوروبيين و كان نوبار خلال حكم سعيد وإسماعيل هو المفاوض الرئيسي لتدبير قروضهما العامة والخاصة. كما قام بالمفاوضات لمراجعة توقف شركة قناة السويس، فأبرم عام 1863 مع الفرنسي فرديناند ديليسبس عقد مقاولة حفر قناة السويس بشروطه المجحفة. وهو الذي فرض قيود علي الصحافة و أغلق جرائد عدة مثل ”مرآة الشرق“ و الوطن و حتي الأهرام ذاته و طبعاً كانت لابد ان تتوج اعماله هذه كلها بأن أنعمت عليه ملكة بريطانيا بنيشان النجمة الهندية من الدرجة الأولى في أعقاب استقالته الأخيرة. و بفرض الانجليز نوبار علي الخديوي عباس حلمي الثاني و كنتيجة للشعور الوطني لدى الشعب اشتبك الأهالي مع بعض البحّارة الإنجليز فطلب لورد كرومر منه تشكيل محكمة خاصة، وأنشأت المحكمة وأصدرت أحكامها عليهم تترواح بين الحبس 3 إلى 8 شهور
ومع توالي الهزائم اضطر الخديوي عباس حلمي الثاني إيقاف الصدام مع الإنجليز مؤقتًا والتحول لميدان آخر وهو إصلاح الأزهر وتنصيب شيخ جديد فكان الشيخ حسونة النواوي رحمه الله و هو من جمع بين منصبي شيخ الأزهر و مفتي الديار المصرية و كان عالماً جليلاً صاحب موقف ، كما قامالخديوي عباس حلمي الثاني باعداة إرسال كسوة الكعبة بعد ان اوقفها الانجليز. كما إن الحظ وقف معه باستقالة نوبار باشا لظروفه الصحية و الذي مات او هُلك في ١٨٩٩
وفي ١٩ سبتمبر ١٨٩٧ عاد الصدام حيث اشتبك الأهالي في قليوب مع فصيلة إنجليزية، فحاصر الإنجليز البلدة و هنا عاد الخديوي عباس حلمي الثاني الي الدخول في صدامات مرة أخري مع الانجليز، كان منها رفضه لتمويل حملة انجليزية جديدة علي السودان و عدم الرغبة في امدادهم بجنود مصريون كما انه رفض اقتراحاً او بمعني اصح أمر أنجليزي قدمه اللورد كرومر بإقالة قاضي القضاة العثماني وتعيين قاضي مصري، فرفض الخديوي عباس حلمي و كانت حجته في منتهي الذكاء و تدل علي انه لاعب سياسي قوي و ذكي فقد تحجج بأن تعيين قاضي شرعي في مصر ليس من سلطته ولكن من سلطة الخليفة الأعظم السلطان عبد الحميد الثاني ثم قام بتقديم دعم اكثر للزعيم مصطفي كامل و الذي أكثر من مقالتة في جريدة اللواء و دعوته لوحدة مصر مع دولة الخلافة. و علي هذا النحو استمر الصراع بين الخديوي عباس حلمي الثاني وخلفه الشعب المصري من ناحية و اللورد كرومر و خلفه حكومته الانجليزية من جهة أُخري حتي وقعت احداث قرية دنشواي و محاكماتها الظالمة و التي أدت في النهاية الي أعفاء اللورد كرومر من منصبه و عودته لانجلترا، و ما ان حدث ذلك حتي اصدر الخديوي عباس حلمي الثاني قراراً بالعفو عن ٩ اشخاص من المحكوم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة في تلك المحاكمة الظالمة و هذا ما اسعد الشعب المصري جداً و أثار حقد بريطانيا نحوه بشدة ، و كان ذلك في ١١ يناير ١٩٠٨ و هو يوم يتوافق مع نفس التاريخ الذي اطلق فيه المصريون دعاءهم للخديوي الجديد في ساحة المسجد الحسين في ٧ يناير ١٨٩٣ و هو واقفاً يصلي بينهم، و جن جنون انجلترا وهي تري الخديوي عباس حلمي في نفس العام يرسل وفداً الي لندن يطلب من وزارة الخارجية البريطانية منح مصر الحق في حكومة نيابية ذات سلطات معينة. وفي محاولة لإعادة سياسة الصدام وبإيعاز منه يرفض البرلمان والحكومة المصرية مد امتياز قناة السويس على أساس إن هناك ظلم وقع على مصر مقدارة 130 مليون جنية و يدرك الأنجليز أنهم اما خصم عنيد و لاعب سياسي ماهر و ماكر و من ثم رأت إنجلترا ضرورة الأطاحة بالخديوي عباس حلمي الثاني و رأت أنها لابد ان تقطع علاقة مصر بالخلافة العثمانية باي طريقة و اي ثمن و قد جاءتها الفرصة عندما وفي 21 مايو 1914 استقل يخت المحروسة في رحلة للخارج و كان آخر ما فعله توقيع أمرين بتنقلات وترقيات لرجال القضاء الأهلي ووضع سلطاته لرئيس الوزراء. و الحقيقة ان رحلة الخديوي عباس حلمي هده لم تكن مجرد اجازة و استجمام انما أقام بعد مغادرته مصر في فرنسا متنكرًا، ثم غادرها سراً الي تركيا و في ٢٥ يوليو ١٩١٤ و بينما كان الخديوي خارج من الباب العالي تقدم منه شاب مصري يدعى "محمود مظهر" بإطلاق الرصاص عليه. و فيما يبدو انه كان مدسوساً عليه من قبل الانجليز و يقول الخديوي عباس حلمي عن هذا الحادثة: ” شعرت بإنقباض صدر قبلها ، و عندما رأيت الشاب يصوب المسدس إلي تمكنت من الإمساك بيده الممسكة بالمسدس و دفعه بعيداً في الوقت في الوقت الدي لم يتحرك فيه الحرس الا متأخراً و اصابني بعض الرصاص و لكم في مناطق غير مميتة و تناثرت الدماء علي ملابسي و كيس نقودي و لكنها لم تصل إلي المصحف الدي كنت أحمله و هذا من لطف الله و حتي لو وصلت إليه لما مس هذا من قداسته“ و تسبب هذا الحادث في تأخير عودة الخديوي لمصر في الوقت الذي نشبت فيه الحرب العالمية الأولى ولم يعد السفر عبر البحار مأمونًا، وطلب السفير الإنجليزي في تركيا من الخديوي العودة إلى مصر، إلا إنه تردد فطلب منه أن يرحل إلى إيطاليا إلى أن تسمح الظروف بالعودة إلى مصر، إلا إنه رفض فربما تكون هذه خدعة اخري لاغتياله وكانت الحرب حتى ذلك الوقت بين إنجلترا وألمانيا، و لما كانت الدولة العثمانية تعادى روسيا حليفة إنجلترا و في الوقت ذاته تناصر المانيا فسرعان ما اصبحت كل الجهات في إنجلترا عدا الخارجية تطالب بخلع الخديوي عباس حلمي لتخالفه وولائه للدولة العثمانية
في ١٩ ديسمبر ١٩١٤ يصدر القرار بعزله وجاء فيه ”يعلن وزير الخارجية لدي ملك بريطانيا العظمي أنه بالنظر لأقدام سمو عباس حلمي باشا خديوي مصر السابق علي الانضمام لأعداء جلالة الملك ، رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوي.“ و يتم تعين الأمير حسين كامل حاكم علي مصر بلقب سلطان و كره المصريون حسين كامل بشدة و صارت المظاهرات تدور في الشوارع تقول ”الله حي .. عباس جاي…ضرب البمبة..في ط^ز العُمدة و هو جاي“ و طبعاً المقصود بالعٌمدة هنا هو المندوب السامي البريطاني و يقال ان الشعب المصري ظل لفترة طويلة من 1914 إلى 1931 يهتف في مظاهراته ضد الاستعمار بـ“الله حي…عباس جاي" وذلك على أساس أنه هو رمز لعودة مصر للحكم العثماني ونهاية الحكم الإنجليزي. ولكن عباس حلمي اضطر في نهاية المطاف الي التنازل عن كافة حقوقه في عرش مصر بعد مفاوضات أجراها معه إسماعيل صدقي باشا مقابل 30000 جنية دفعتها حكومة مصر و كان ذلك في عصر الملك فؤاد الذي تولي الحكم بعد وفا السلطان حسين كامل في ١٩١٧.
و الحقيقة هناك روايتين بشأن السلطان حسين كامل و كراهية المصريين له، الأولي تقول ان السلطان حسين كامل كان خائناً و عميل للأنجليز و كذلك تبعه فؤاد الأول لانهما يعتبران قد ساهم في الانقلاب علي الخديوي عباس حلمي الثاني و عزله و بالتالي فهم عملاء للانجليز و تؤيد هذا الرأي الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المتفرغ بكلية الآداب بجامعة بنها! اما الرواية الثانية و هي الاقرب للصواب في وجهة نظري و هي ان سلطات الاحتلال البريطاني كانت ترغب في ضم مصر بشكل نهائي الي التاج البريطاني و تعين حاكماً اجنبياً و أنهاء وجود اسرة محمد علي في مصر حتي يقطعوا كل خيوط الشرعية التي تربط مصر بدولة الخلافة خاصة غير ان الاستخبارات البريطانية قالت ان هذا قد يجلب عليهم مشاكل في مصر في وقت تشتد فيه اجواء الحرب العالمية الاولي، فكان الحل هو اعلان الحماية علي مصر و عزلها عن الدولة العثمانية و عزل الخديوي عباس حلمي الذي مازال باستطنبول و تعين نفس الحاكم الأجنبي بسبب تمنع الأمير حسين كامل عن قبول عرش مصر و عندما علم الأمير حسين كامل بهذا كله اضطر الي القبول بحكم مصر حتي لا يذهب العرش الي حاكم اجنبي خاصة و ان هذا الحاكم لم يكن سوي جاسوسنا البرنس و يؤيد هذا الرأي ما كتبه وقتها الأستاذ الدكتور الكبير محمد حسين هيكل باشا و الذي ذكره في مذكراته و قال بالحرف ان ”الانجليز دعوا بالفعل سمو الأمير أغاخان الهندي قبيل ارتقاء السلطان حسين للعرش، و تناقل الناس انهم اي الانجليز يريدون أن يجعلوا أغاخان سلطاناً علي مصر“ فمن هذا الامير أغاخان الجاسوس؟
في ٢ نوفمبر ١٨٧٧ و في مدينة كراتشي ولد الآغاخان الثالث و اسمه الأصلي هو السلطان محمد شاه و بعد سنوات قليلة من ميلاده و تحديداً في ١٨٨٥ و قبل بلوغه الثامنة من عمره تم تنصيبه في منصب الامام الثامن و الاربعون للطائفة الشيعية النزارية. و النزارية هي طائفة من الشيعة الإسماعيلية نسبة إلى نزار المصطفى لدين الله بن مَعَدّ المستنصر بالله المولود في مصر عام ١٠٤٥ و مات بالسجن في الاسكندرية في ١٠٩٥ و هذه الطائفة كانت قد تكونت عقب موت المستنصر بالله الفاطمي سنة ١٠٩٤ عندما نشب خلاف في البيت الفاطمي بين من رؤوا أن ابنه نزار هو الأحق بالخلافة وبين من رؤوا أن ابنه الآخر أحمد المستعلي بالله هو الإمام. فقام أحمد المستعلي بالله بوضع أخيه نزار في السجن بينما فر ابنه الهادي بن نزار إلى قلعة ألموت و حصل على دعم تنظيم الحشاشين الذي اسسه حسن الصباح في شمال ايران و الذين اعتبروا أنفسهم الجناح العسكري للدعوة النزارية. و من هنا بدأت طائفة الشيعة الاسماعيلية النزارية و هي تمتلك أخطر و اقوي تنظيم سري مسلح يقوم افراده ببذل نفوسهم و حياتهم فداءاً لتنفيد الأوامر. و استطاع تنظيم الحشاشين اغتيال الكثير من زعماء و قادة المسلمين حتي انهم حاولوا مرتين اغتيال القائد المسلم صلاح الدين الايوبي و قد اثارت جرائمهم و إغتيالتهم الرعب و الفزع في قلوب احُكام والولاة المسلمين والطائفة الاسماعيلية اليوم تحمل الأرث الشيعي كله فقد اندمج الشيعة السبعية مبكرا في الفرق الإسماعيلية الأخرى، وانتهى المستعلية الحافظية بانتهاء الخلافة الفاطمية في مصر في القرن الثاني عشر الميلادي. أما الشيعة المستعلية الطَّيِّبية فهم اليومَ البهرة الذين ينتظرون ظهور الإمام المستور من نسل(الطيب أبوالقاسم) بقيادة الداعي المطلق الذي تختلف فرقهم في تسميته. و البهرة هؤلاء يقال ان اصلهم هو من الفاطميين الشيعة الذين كانوا في مصر إبان العصر الفاطمي عندما انتهى العصر الفاطمي هاجر الكثيرون من مصروانتقلوا من بلد إلى أخر حتى انتهى بهم المقام إلى جنوب الهند و من الملاحظ ان اعداداً منهم بدأت تعود للحياة في مصر مرة أخري و تستطيع ان تراهم بوضوح في المسجد الحسين و ما حوله و هم من جددوا مسجد المعز لدين الله الفاطمي كما قلت
نعود مرة اخري الي اميرنا الجاسوس الأغاخان الثالث و الذي وصل الي الأمامة في سن السابعة من عمره عام ١٨٨٥ و السبب في هذا يعود الي وفاة ابيه الآغاخان الثاني و اسمه الأصلي هو آغا علي شاه في هذا العام (ولد في عام ١٨٣٠ و مات في ١٨٨٥) و الذي شغل منصب الأمام لمدة أربع سنوات شهدت الكثير من التحسينات في أوضاع طائفته على وجه الخصوص في الهند. كما واصل الآغاخان الثاني سياسة والده في المحافظة على علاقات ودية مع المستعمر الإنجليزي في الهند. اما الجد فهذا هو المصيبة الكبري فهو الأغاخان الأول و اسمه الحقيقي هو حسن علي شاه و المولود في كاهاك بإيران في عام ١٨٠٠ و قد وصل لمنصب الأمامة و عمره ١٧ سنة في عام ١٨١٧ و قد ظل في منصبه حتي مات في مومباي ، الهند عام ١٨٨١ و كان حسن علي شاه حاكماً على إقليم كرمان في بلاد فارس، وكان من المقربين عند شاه إيران "فتح علي"، فمنحه لقب آغا خان. غير ان هناك ثمة رواية اخري تقول ان حسن علي شاه لم يكن سوي مجرد قاطع طريق ظهر في ايران و قد جمع حوله عدداً من فتوات و بلطجية من الشيعة الاسماعيلية و الغير اسماعيلية و انهم كانوا ينقضون علي القري و القوافل لسرقتها و نهبها و هو الامر الذي جعل له نفوذ واسع و اصبح مصدر رعب حتي للعائلة المالكة الايرانية نفسها و بالتالي فقد تم تعينه حاكماً علي اقليم كرمان في ايران و ان الانجليز هم من منحوه لقب الآغا خان. في عام ١٨٣٨ قام الآغاخان حسن علي شاه بأعلان الثورة علي شاه إيران فتح علي بغرض قلب نظام حكمه و الإستيلاء علي حكم إيران غير ان الثورة فشلت و تم القبض عليه و القاءه في السجن و هنا تدخل الانجليز و اقنعوا الشاه بالافراج عنه و بعد ان تم ذلك توجه الآغا خان إلي أفغانستان حيث تعاون مع المستعمرين الإنجليز هناك و ساعدهم في صراعهم مع الروس هناك و في الوقت ذلك ساعدهم علي الخروج من مآزق الحرب الأنجلو-أفغانية الأولي في قندهار (١٨٣٨-١٨٤٢) و سرعان ما رد له الانجليز الجميل بعد ما عرف الأفغان بأمر خيانته و مساعدته للانجليز، ففر من افغانستان قبل ان يقتله الافغان و انتقل الي بلاد السند حيث قدم خدمات عديدة للانجليز و الذين تمكنوا بمساعدته من الاستيلاء علي بلاد السند و إقليم بلوشتان و هو إقليم يقع في جنوب غرب آسيا على طرف الهضبة الإيرانية ويمتد بين كل من إيران وباكستان وأفغانستان تسكنه قبائل البلوش الذين توعده ايضاً بالقتل مثل الافغان و الايرانيين، غير انه لم يعبأ لهذا و استمر في مساعدته للانجليز، الأمر الذي جعل الانجليز يكافؤنه بالمال و الحماية من اعدائه و خصومه و حتي من ابناء طائفته عندما رفعوا عليه قضية في الهند من اجل اثبات انهم سنة و ليسوا شيعة، غير ان القاضي الانجليزي اصدر حكماً يفيد بأنهم شيعة إمامية إسماعيلية و هنا اصبحت كل هذه الجماعات تحت امارته و طاعته فأصبح أبرز و أهم القادة الاسماعيليين و اقوي الائمة سياسياً حتي انه و بعد انتقاله الي بومباي في عام ١٨٤٦ اصبح له علاقة مباشرة بإدوارد السابع ابن الملك فيكتوريا و أمير وليز في ذلك الوقت و ملك المملكة المتحدة فيما بعد حتي انه انعم عليه بلقب “صاحب القداسة” و اصبحت له حماية رسمية من حكومة الاحتلال البريطاني في الهند و اصبح الامام الاعظم للشيعة الاسماعيلية الذين فرحوا بظهور امامهم الجديد وعلو شأنهم بعد ان ظلوا في الظل و الكتمان لمئات السنين و بالغ الانجليز في الحفاوة بهذا الآغاخان فجعلوا منه ممثلاً لكافة مسلمي الهند
و علي هذا النحو استمر الأغاخان الاول حسن علي شاه في منصبه و في خدمته للمحتل البريطاني حتي وفاته في ابريل ١٨٨١ ليخلفه الاغاخان الثاني والد جاسوسنا البرنس الآغاخان او السلطان محمد شاه غير ان الأغاخان الثاني سرعان ما مات في عام ١٨٨٥ اي بعد اربع سنوات من امامته و بالتالي فقد تم تعين ابنه الصغير ذو الاعوام السبع اماماً و مرشداً اعلي للطائفة الاسماعيلية و بالرغم من اباه قد مات مبكراً الا ان امه شمس الملوك استطاعت ان تثبت حكمه بمساعدة الانجليز و قد اهتمت بتعليمه جداً ، فالي جانب دراسة الاسلام و العلوم الشرقية حرصت امه ان يدرس العلوم الغربية ، حيث درس في كلية إتون وفي جامعة كامبردج و من ثم بدأت عملية بناء اسطورة الآغاخان الثالث فراح يطوف أصقاع العالم لتفقد أحوال أبناء طائفته و يتفقد معهم الجميلات من ملكات الجمال الاوروبيات و عارضات الازياء و نجمات المسارح و الغناء و بالرغم من أنه غرق في مُتع الحياة الا انه نجح في صناعة شعبية عالمية له تنافس شعبية لاعبي الكرة و الفنانين و قد تم منحه درجات الفروسية وتكريمه من عدد من الحكام والملوك من أمثال الملكة فيكتوريا والملك إدوارد السابع والملك جورج الخامس وإمبراطور ألمانيا وسلطان تركيا العثمانية وشاه إيران
و أما علي مستوي اتباعه فقد تبجيله و تعظيمه لدرجة انه اصبح اشبه بالإله بالنسبة لهم بعد ما أضفوا عليه الكثير من صفات الألواهية. ففي ١٩٠٦ اشتراك الآغاخان الثالث في تأسيس منظمة عصبة مسلمي كل الهند All-India Muslim League و اصبح هو اول عضو لها و هذه العصبة هي كانت بمثابة حزب سياسي دعا لتأسيس دولة إسلامية مستقلة في الأجزاء الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية الواقعة تحت الاستعمار الإنجليزي حينها. وقد تشكلت تلك الدولة في وقت لاحق، من عام ١٩٤٧ فكانت باكستان! و بأندلاع الحرب العالمية الأولي في ١٩١٤ اسرع الآغاخان الثالث في الاعلان عن تأيده و دعمه للحلفاء و الذي كانت تتزعمه بريطانيا طبعا، و هنا جاءت فكرة استغلال الحرب وغياب الخديوي عباس الثاني عن مصر و ان يتم عزله ثم ضم مصر للتاج البريطاني بشكل نهائي و ان يصبح المصريون رعايا بريطانيين و انهاء وجود اسرة محمد علي و يتم تعين حاكم اجنبي جديد علي مصر و لم يكن هناك افضل من الآغاخان الثالث و الذين يسيطر علي التنظيم الاخطر الذي يحمل احقاد القرون و حلم العودة الي حكم مصر، و هنا جاء الآغاخان الي مصر يسعي مثل الحية غير ان الخطة فشلت و تم الغأ فكرة تنصيب حاكم اجنبي جديد و ضم مصر الي التاج البريطاني و الاكتفاء فقط باعلان الحماية و عزل الخديوي عباس الثاني و تعين حسين كامل سلطاناً علي مصر ، حتي ان احد المستشارون الذين اجتمعوا في لندن كتبوا الي وزارة الخارجية البريطانية يطلبونهم بعدم التفكير في تعين حاكم اجنبي جديد خاصة الأغاخان و جاء فيماكتبوه في مذكراتهم ان هذا القرار سيعمل علي التهاب الشعور و الغيرة الدينية لدي المصريين الذين لن يقبلوا بهذا الشيعي الاسماعيلي القادم من بلاد الهند و ان النتيجة ستكون ثورة عارمة و قالوا بالنص في مذكرتهم “إن طمي النيل الذي أمتصه العبريون و الفرس و الأغريق و الرومان و الأتراك امتصاصاً كاملاً-بحيث محا كل أثر- هذا الطمي ليس بالبيئة المناسبة لأية تجربة أخري” و بالرغم من حزن الأمير الجاسوس الأغاخان الثالث لضياع فرصة حكم مصر عنه ، الا انه قرر الا يغادر مصر و ان يظل بها حتي ينال ما يطلبه و يحقق حلم عودة طائفته و تنظيمه السري الي حكم مصر…….فماذا فعل؟؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الخامس و الأخير من هذه السلسلة
التاريخ ليس علم الماضي ، وإنما هو علم المستقبل ، وذلك هو الفرق بين التاريخ والأساطير . الأساطير تتوقف عند ما كان ، وأما التاريخ فان عطاءه مستمر كل يوم ......من كتاب "قصة السويس" للأستاذ محمد حسنين هيكل
اقرأ ايضاً: الجزء الثالث من أسطورة القط ذو السبعة ارواح
تحدثنا في الجزء الثاني عن كيف رفض اسامة بن لادن العرض او الصفقة التي قدمها له ضابط الاتصال فى المخابرات الأمريكية مايكل شوير مقابل اغتيال او خطف حسني مبارك في النصف الأول من التسعينيات ثم تحدثت عن كيف تم قرر مايكل شوير الاستعانة بمجموعة أخري لتنفيذ المخطط و تحدثت بالتفصيل عن شخصية الشيخ سلامة أحمد مبروك و عما حدث لابنه من أغتصاب في أحد مقرات المخابرات العامة و من ثم تجنيده لصالح المخابرات و كيف ان بعد ان وصل الي السودان تمت محاكمته علي يد ايمن الظواهري ثم ادانته بثلاثة تُهم تم علي اثرها الحكم باعدامه بضرب النار او الرصاص عليه و هنا احب ان اشير الي تعليق احد الاصدقاء علي وهذه المعلومة حيث قال الصديق ان الشيخ الراحل سلامة احمد مبروك لم يتزوج و لم يكن له اي ابناء، و بصراحة لقد بحثت بنفسي عن هذه المعلومة من قبل ان انشر البوست و لم اجد اي معلومات تشير ان كان لدي الشيخ الراحل زوجة او ابناء.....و كان من الصعب الي التواصل الي وجود او عدم وجود اسرة للشيخ الراحل و لذلك فقد تعمدت ان اضع مصدر معلومة اعتقال ابنه و اغتصابه و تجنيده لصالح المخابرات كما انني وضعت مصدر معلومة ......اقرأ المزيد