من حكايات يهود مصر
قصة عائلة مسعوده و كيف بنوا الطائفة القرائية
كُتبت في ٢٢ يونيو ٢٠٢٠
في ٣٠ يناير ١٩٢٢ نشرت مجلة اللطائف المصورة نعي و كتبت هذا النص معه: "هذه صوره المرحوم الخواجا باروخ الياهو مسعوده من اعيان و مشاهير الاسرائليين في مصر توفاه الله يوم 20 الجاري ففقدت الجالية الإسرائيلية ركنا من أركانها
كان رحمه الله من كبار المزاعين في مركز ميت غمر و اشتهر بأدارته اوقاف الطائفة الإسرائيلية و انشاء مبان لفقرائها و إدارة شؤونها المالية و الطائفية فقام بخدمة طائفته بالجد و الاجتهاد و الاستقامة و الكفاءة مما عاد عليها بالفوائد الكثيرة و قد ربي أولاده تربية صالحة مما خلد له الذكر الحسن رحمه الله
تعداد حسناته و عزي له الكرم و الطائفة الإسرائيلية بفقده" و قد أثار هذا النعي في نفسي شيئاً ما و دعاني الفضول الي البحث حول صاحب النعي و عائلة مسعوده ، فوجدت الكثير الذي رأيت أنه يروي صفحات من تاريخ مصر المجهول و سوف اروي عن ما وجدته في هذه المقالة
في عام ١٨١٠ و مع تمكن محمد على باشا من تثبيت حكمه في مصر و مع بداية هجرة العديد من الاجانب و خاصة اليهود و الارمن و البكتاشية و غيرهم من طوائف و شعوب الي مصر ذلك البلد الواعد الذي نهبه الباشا الألباني المشكوك في اصوله ولد
في العام نفسه في مدينة البصرة بجنوب العراق طفل اسمه يوسف بن هاروفى سوف يُلقب فيما بعد ب “البصيري“ نسبة الي المدينة التي ولد فيها و هو من يهود العراق القرائين و قد نشأ بين ابناء طائفته و هو يسمع عن مصر و الوالي ”باشا مصر“ المتسامح الي ابعد الحدود و عندما اصبح في سن الشباب قرر المجئ إلى مصر و الاستقرار بها و فعلاً جاء واستقر بها وتزوج بـ”مسعودة” من عائلة "إليشع” اليهودية الشهيرة و التي سيقيم في منزل احدي سيداتها في حارة اليهود فيما بعد طفلا من الاسكندرية ارساله والده و هو صغير السن ليدرس بالقاهرة و سيكون هو القائد المُلهم و الخالد ابو خالد بطل الهزائم و الكوارث -وتقول بعض المصادر ان مسعوده كانت من عائلة كوهين و ليست عائلة إليشع و لكن المؤكد بالنسبة لي انها كانت من عائلة المشع او ليشع كما ينطقها المصريون- علي كل الاحوال فقد قرر يوسف بعد الزواج من مسعوده اتخاذ اسمها لقب لعائلته الجديدة التي بدأ في تكوينها و من هنا تأسست واحدة من أقوى العائلات اليهودية القرائية فى تاريخ مصر التي ستسيطر علي اهم حاجتين في مصر: الذهب و ام كلثوم
انجب “يوسف البصيري" خمسة من الأبناء كانوا هم قوام الأسرة التي لم تسيطر فقط علي الذهب و ام كلثوم بل سيطرت و حكمت الطائفة اليهودية القرائية لنحو ١٥٠ عاماً حيث كان يوسف بن هاروفي ” البصيرى” موضع ثقة واحترام اليهود القرائين المصريين فجعلوه شيخ حارة اليهود القرائين .. كما اتجه للعمل فى تصنيع وتجارة الذهب بسوق الصاغة و الصرافة وهى المهن التى توارثها أبنائه بعد الوفاة البشعة في
ريعان شبابه، مشنوقاً على يد رجال المحتسب عام ١٨٥٠ و تعليق جثمانه على مدخل حارة اليهود بالقاهرة. واما سبب شنقه فهو انه فى ذلك الوقت كان محمد
على باشا قد فرض مرسوًما يقضى بعدم تحصيل أى رسوم إضافية عند تغير العملة
العثمانية وقتها"المجيدّية"(نسبة الي السلطان العثماني عبد المجيد)
و فى أحد الأيام عندما كان المحتسب عائدا من أداء صلاة الجمعة فى
الجامع الأزهر، لاحظ تجمهر، وعندما سئل عن سببه، أخبر بأن بعض اليهود قد كسروا مرسوم الباشا وفرضوا رسوما على تغيرر العملة المجيدّية و أمر بالقبض عليهم فوراً. فى ذلك الوقت كان معظم المشتغلين بتغيير العملات يزاولون
أنشطتهم فى (حارة الصيارفة) أى حارة المشتغلين بالصرافة وتغيير العملات
الأجنبية. وكانت حارة الصيارفة هى مدخل حارة اليهود الربانيين من ناحية شارع الموسكى والذى كان يصل إلى وسعة ميدان الجامع الأزهر. وفى هذه اللحظة التي استشعر فيها الصرافين بالخطر لاذوا جميًعا بالهرب .. فطاردهم رجال
المحتسب، وتم القبض على اثنان منهم وكانوا من طائفة اليهود الربانيين أما الثالث فنجح فى الهروب وقيل وقتها أنه كان من طائفة القرائين وانه قد هرب إلى حارة اليهود القرائين موطنه فدب الخوف في نفوس يهود الحارة القرائين و بدأوا فى الصراخ والعويل، وعندها نظر شيخ الحارة يوسف بن هاروفي
من نافذة منزله ليعرف ما يحدث بالخارج فلما شاهد رجال المحتسب، نزل لهم على الفور فأخبروه بالواقعة وهو بدوره أكد لهم تعهده بانه سيحضر هذا اليهودي القرائي الهارب إلى السلطات، وبسبب خوف رجال المحتسب من غضبة المحتسب، قرروا القبض على شيخ الحارة "يوسف بن هاروفي والعودة به. حيث تم
إعدام اليهود الثلاثة عند مدخل حارة الصيارفة و سرعان ما تطورت القصة لتصبح اسطورة رفعت من مكانته فى وسط مجتمع اليهود القرائين وازداد ثقة وولاء نحوه إذ اعتبروه بطًلا ضحى بنفسه وقتل غدًار، ولكنه لم يحظ بفرصة التمتع بتلك المكانة الطيبة فى حياته وانما الذي حظى بها كانوا أولاده
الخمسة، الذين شكلوا الفروع الخمسة لعائلة مسعودة القيادية وسط طائفة اليهود القرائين في مصر. و كان اسماء الابناء الخمس الذكور الذين انجبهم يوسف هاروفي البصيري هم
١- الياهو مسعوده
٢- موشيه مسعوده
٣- باروخ مسعوده
٤- ابراهيم مسعوده
٥- سليمان مسعوده
و كان الياهو مسعوده قد اصبح عميد العائلة بعد وفاة ابيه "يوسف هاروفى" و اشتغل إلياهو بتجارة وتشغيل الذهب إلى جانب الاقراض والرهونات و قد تزوج الثرى إلياهو مّرتين. الأولى كانت قبل نفس سنة وفاة ابية ١٨٥٠ من السيدة "حُسنة قمر" وهى الجدة الكبرى للفنان ابراهيم مسعوده الذي يعتبر أهم رواد مدرسة الحداثة
المصرية فى التصوير ، والتى أنجبت للمعلم لإلياهو ١٧ طفلاً بين ذكور واناث و كان أحدهم هو الصائغ "فرج مسعوده" و الذى ورث شيىء من تجارة والده إلياهو كما تزوج المعلم إلياهو مسعوده زيجة أخرى من السيدة "وردة سليمان" فى عام ١٨٦٨ حيث كانت شريعة اليهود القرائين وقتها لا تحرم تعدد الزوجات طالما كان الرجل ميسور الحال و قادر. اما ابنه “فرج مسعودة” فقد ولد في نفس العام الذي تم فيه شنق جده يوسف هاروفي ١٨٥٠م وورث عن والده و جده حرفة الصاغة وتجارة الذهب والمجوهرات وكان محله يقع في ٦١ شارع السكة الجديدة. و قد تزوج من السيدة “نيللي كوهين” من عائلة كوهين الشهيرة في عام ١٨٧٠، وأنجب
منها ١٢ من الأبناء من بينهم الجواهرجي ليتو فرج مسعودة و الذي ولد في عام ١٩٠٠ و توفي في ١٩٦٥ في القاهرة و قد تزوج فتاة من عائلة امه اسمها راشيل و قد انجبت له علاقة ابناء هم الفنان الشهير ابراهيم مسعوده و ايضاً ولدين اخرين هم فرج و توفيق و قد توفي الاخير في سن السادسة عشر في عام ١٩٤٢و يعد ليتو فرج مسعوده هو الوحيد من الأبناء الذي عمل بمهنة صناعة و تجارة الذهب. اما باقي ابناء فرج الياهو مسعوده و هم دافيد و روجينا و فيكتوريا و ماتيلدا و استير و فورتيونا و ابراهيم و يعقوب و ماريا و فلورا فقد ابتعدوا جميعاً عن العمل في الصاغة حيث كانت الحياة الثرية قد سمحت لهم بتعليم أبنائها الطب فقد بدأ الكثير من اليهود القرائين في ارسال ابناءهم من انجلترا وفرنسا و الولايات المتحدة فى تلك الفترة لدراسة الطب و الحصول على شهادات عليا فيه. كما انهم اتجهوا مع ابناء عمومتهم لدراسة الهندسة و القانون بالاضافة الي الطب فبرزت منهم شخصيات حققت نجاحات في هذه المجالات علي مستوي عالمي و ليس فقط محلي فمثلا فى مجال الطب: د.ألفريد مسعوده وولده د. روبرت مسعوده و د. باروخ يوسف مسعوده أحد اكبر الاطباء الأمريكيين فى طب الباطنة الذي شغل منصب رئيس جمعيات واتحادات أطباء الأسنان فى ولاية "فيلاديلفيا" في ١٩٥٥
و د. باروخ مسعوده، د. بنيامين مسعوده، طبيب العيون د. جمال يوسف مسعوده والطبيبة فورتيونا مسعوده و د. جاكوب مسعوده، د.ليتو يوسف مسعوده ود. شالوم دانيال مسعوده ود. وارن يعقوب مسعوده و د. يافث مسعوده ود. يوسف مسعوده وفى مجال الصيدلة و العقاقير فقد برزت الصيدلانية
د. دنيا مسعوده
و اما في مجال المحاماة ففى ذلك الزمان كانت كلّيه الحقوق هى المدرسة التى يتخرج منها الوزارء والسادة وأعضاء مجلس النواب ومن أعلام عائلة مسعودة فى المحاماة: المحامى عباس يافث مسعودة الحاصل على ليسانس الحقوق من فرنسا وله مؤلفات فى القانون بالفرنسية و بنويت مسعودة و كذلك
المحامى إليى مسعودة إبن المحامى جوزيف مسعودة، والمحامى
خضر مسعودة. اما في المجالات الأخرى كالهندسة فمثل برزت اسماء مثل المهندس جبر او جبرائيل مسعودة والمهندس حبيب يوسف مسعودة؛ مهندس حربى فى البحرية الملكية البريطانية و اما فى علوم الدين والشريعة فقد برز اسماء مثل الحبر
إيمانويل مسعودة الذى صار الحاخام الأكبر ليهود إسرائيل القرائين
و بالوصول الي فترة العشرينات وثلاثينات
القرن العشرين نشأ في مجتمع اليهود القرائين نظام طبقي متعاون حيث كان أبناء الأثرياء مثل ابناء عائلة مسعوده و اللذين نالوا حظ أوفر فى التعليم يتوجهون للصاغة في فترة الإجازة الصيفية لكى يتعلموا
أصول الصنعة والتجارة و في الوقت نفسه كانت العائلات القرائية الفقيرة ترسل ابناءها إلى محلات
الصاغة و هم صبية صغار لم يتجاوز عمرهم اربع سنوات أو علي الأكثر يكون بعضهم قد أمضي سنة او ثلاث فى المدرسة فيكون ملًما بالقراءة
والكتابة وبعدها يرسله والده إلى الصاغة لكى يشتغلوا
فى الورش والمخارط أو حتى يقومون بتوصيل الطلبات والخدمات المعاونة و لعل احد اطرف الأمثل في قصة الصبيان الفقراء من ابناء الطائفة كان طفلاً صغيراً أسمه داود خضر ليفي كان ابوه هو المعلم إلياهو حايم ها-ليفي و كان مشهوراً في سوق الموسكي باسم المعلم خضر و كان ماهراً في عمله في صناعة الذهب و لكنه عنده موهبة اخري او مهارة اخري و هي موهبة العزف علي العود و التي كانت هوايته المفضلة التي كان يقضي فيها كل وقته بعد انتهاء عمله في الصاغة، و اراد المعلم خضر او إلياهو حايم ها-ليفي ان يعلم ابنه داود الصنعة لانهم فقراء فهو صنايعي و ليس صاحب تجارة فاراد ان يورث لابنه اسرار المهنة و عليه فقد قام باخراجه من المدرسة في سنة الثانية عشر و الحقه بالورشة معه ليتعلم اسرار مهنة الاجداد الا ان الطفل الصغير لم يرغب في وراثة المهنة انما اراد وراثة الهواية اي العزف علي العود، فقد كان قلبه مُشرباً بحب الموسيقي و المغني، غير ان ابوه المعلم الياهو او خضر زجره و اجبره علي العمل في الورشة فما كان من الطفل الا ان الطفل دواود الا ان هرب من
المنزل في حارة اليهود بالقاهرة و استقل مركب نيلي متجه إلى المنصورة وهناك غير اسمه العبرى إلى الاسم العربي داوود حسنى وقابل فى المنصورة المعلم "محمود شعبان“ و قد كان خوجة او مدرس موسيقى عربية و ذو شهرة واسعة فى اكتشاف وتعليم المواهب وهو نفس الشخص الذى تتلمذ على يديه "عبده بك الحامولى" أشهر مطربين مصر فى نهاية القرن التاسع عشر لذلك قصده الطفل دواود او ديفيد و تعلم على يده الغناء لمدة عامان فأتقن فن الطقاطيق العربية و إيقاعاتها، و هرمونيا الأصوات و كانت مقامات الموسيقى الشرقية هى أعظم ما تعلمه من المعلم "محمود
شعبان". وبنهاية العامان كان داوود ربما ذو الرابعة عشر من العمر يجيد العزف على العود نفس
الآلة التى كان أبوه يتقن العزف عليها فى القاهرة و التي رفض ان يعلمها له و بعد هاتان السنتان التي قضاهما داوود يتتلمذ على يد الشيخ"شعبان" نهل فيهما من علمه عاد إلى القاهرة بناءاً على نصيحة الشيخ"شعبان" له إذ لم يكن هناك من مزيد تستطيع المنصورة أن تقدمه له و بعد عاد إلى القاهرة و ذهب الي والده"المعلم خضر“ و تصالح معه ادرك الاب ان
مصير إبنه قد تحدد من قبل ان يولد.. و من هنا بدأت الرحلة الفنية لواحد من اعظم الموسيقيين المصريين من ابناء طائفة اليهود القرائين في مصر. أما بالنسبة لمهنة تجارة و صناعة الذهب فقد كانت الحرفة الأساسية لطائفة اليهود القرائين منذ مئات السنوات و بذلك استطاعوا صناعة ما يسمي بأسرار المهنة أو الصنعة و هذه الأسرار عبارة عن ميراث شفهى متعلق بالصنعة وخبرة التجارة والسوق يورثه الأب او المعلم لخليفته من بعده. و قد استطاع اليهود القرائين كتمان أصول تلك الصنعة خفية عن أى أجنبى أو خارج عن
طائفتهم حيث انهم قاموا باستخدام اللغة العبرية كلغة للصنعة نفسها و بذلك استطاعوا حفظ الاسرار عن العمال المسيحيين و المسلمون و ان كان اصحاب محلات الذهب اليوم في مصر من مسلمون و مسيحيون مازالوا يستخدمون بعض تلك الألفاظ و الكلمات المشفرة مثل كلمة "يافيت": وتعنى "جيد" أو ”جميل" فى اللغة العبرية و يستخدمها التجار للكلام فيما بينهم عن الزبون الواقف أمامهم من أنه غنى (عندما يكون قادم للمحل بصفته مشترى) أو أن البضاعة المعروضة من قبله جيدة إذا كان بائع، و هذه الكلمة في اساسها العبري تعبر اسم ”يافت او يافث“ و هو ابن لاحد ابناء سيدنا نوح عليه السلام و يمكن ان نعتبرها مثل اسم ”حسن“ عندنا بالعربية و أيضاً كلمة ”أشفور“ و هي عكس كلمة يافت فتعني انه البضاعة سيئة أو مضروبة او ان الزبون مفلس او علي قده (و كنا نستخدمها في الاسكندرية في حديثنا كشباب مثل القول ”انا مأشفر يا صاحبي“ بمعني انا مفلس يا صديقي، او أشفور اخر حاجة ، بمعني مفلس علي الاخر) و كلمة كادمون بمعني قديم او عجوز و كلمة ادمون بمعني قطعة مجوهرات و كلمة شالي بمعني معايا او في حوزتي و شالك بمعني معاك او في حوزتك و كلها كلمات يستخدمها الصاغة المصريون الي اليوم بعد ان تشربوها من اليهود القرائين
دعونا نعود الي اولاد يوسف بن هارفي البصيري و الذي كان منهم الخواجة - كما كان يسميه المصريون في منطقة الصاغة- “باروخ مسعودة” للعمل بصناعة وتجارة الذهب و المجوهرات و الاقراض، واستطاع تكوين ثروة حقيقية ساعدته في السيطرة على مجتمع يهود مصر القرائين و زعامتهم و هذه الزعامة انتقلت منه إلى ولده “ليتو باروخ مسعوده” الذي اشتغل في الصرافة والتجارة البنكية والإقراض، كما أستطاع الحصول علي توكيل شركة أوديون للإسطوانات و التسجيلات الصوتية و هي شركة المانية اسسها اليهوديين ماكس ستراوس و هاينريش زونتز في برلين في عام ١٩٠٣ و ذلك بعد شراءها شركة كارل ليندسروم السويدية التي تحمل اسم صاحبها و التي اسسها في برلين في عام ١٨٩٧ و قاموا بتحويلها من شركة خاصة الي شركة عامة و ضخمة و بدأوا في دخول السوق الامريكية بعد ان حصلوا علي علامة تجارية أمريكية في نفس العام. و بهذه العلامة التجارية استطاعوا اقتحام اسواق كل بلدان العام حتي وصلت لانتاج الموسيقي الهندية و امريكا اللاتينية و بفضل التوكيل الذي منحوه ل “ليتو باروخ مسعوده” استطاعوا الوصول الي مصر و البلدان العربية و ان يحققوا بعض الاحتكارات في صناعة التسجيلات و الصوتيات و بالمناسبة شركة اوديون العالمية هذه اصبحت جزء من مجموعة إي إم آي EMI و التي كانت تعتبر رابع أكبر شركة في العالم تعمل في مجال صناعة الموسيقي ، ثم تم بيعها بكل ممتلكاتها و حقوقها الفكرية بما فيها اغاني ام كلثوم القديمة لشركة يونيفرسال العالمية في ٢٠١٢ و كان “ليتو باروخ مسعوده” قد نجح في تسجيل اسطوانات لسيد درويش وحياة صبري و منيرة المهدية و الكثير من الملحنين و المطربين فترة النهضة المصرية في الموسيقي في العشرينيات و الثلاثينيات و ما تلها و قد احتكرت الشركة صوت “أم كلثوم” قبل انتشار الإذاعة المصرية و هذا الاحتكار لصوت ام كلثوم له قصة يجب ان تروي لانها تؤيد نظرية ان أم كلثوم صناعة يهودية كما قال الاستاذ صابر مشهور في احد فيديوهاته منذ سنوات. فمن المعروف ان عائلة ليتو باروخ "مسعوده" كانت تمتلك عزبة كبيرة من آلاف الأفدنة بالقرب من المحلة الكبرى كانت تزرع قطن في الموسم و حدث في احد الايام ان أحد أفراد تلك العائلة الذى كان يتجول فى الحقول فسمع صوت طفلة صغيرة للغاية تعمل فى تلك الحقول مع الاطفال الآخرين فى جنى القطن و كانت تردد بعض الأغانى بصوتها الجميل … فاسترعى صوتها انتباهه فأخبر كبير العائلة المسيو ليتو باروخ "مسعوده" الذي جاء بها إلى القاهرة و وقع لها عقد احتكار مع شركته ”أوديون" التي صنعت اسطورة الآنسة ام كلثوم التي ستصبح فيما بعد كوكب الشرق"
في عام ١٨٧٦ قدم الي مصر من الاستانة -استنطبول الآن- الحاخام شبتاي إلياهو منجوبي الذي تم تعينه كرئيس للطائفة و حاخام اكبر ، و هذا الحاخام كان قد ولد في الاستانة في عام ١٨٣٦ و قد أمضي الأربعين الاولي من عمره يتلقي فيها دروسه الدينية و اصول اللغات علي يد كبار حاخامات تركيا و كان شغوفاً بالعلم و الادب و اللغات التي كان يجيد منها العبرية و التركية و العربية و اليونانية و عدد اخر من اللغات فلما بلغ الاربعين تم انتخبته الطائفة اليهودية القرائية هناك ليكون رئيساً لها بالرغم من صغر سنه غير ان ذكاءه و قدراته جعلتهم لا يندمون علي هذا الاختيار و لعل اتقانه للغة العربية هو الذي رشحه ليتولي منصب الحاخام الاكبر في مصر و هكذا تم ارساله الي مصر و قد اصبح لقبه منجوبى أى القادم من "منجوب"
وهى مقاطعة فى تركيا. و بمجرد وصوله الي مصر قويت علاقته بعائلة مسعوده التي قدمت له كل الدعم و بعد احتلال بريطانيا لمصر و وصول اللورد كرومر الي مصر ليتولي منصب الحاكم العسكري و المندوب السامي البريطاني في مصر استطاع رجال آل مسعوده تقديم الحاخام الي اللورد كرومر و البدء في بناء صداقة متينة معه نتج عنها اعتراف رسمي من الحكومة المصرية بالطائفة اليهودية القرائية كطائفة مستقلة فى عام ١٨٩٠ و بعد ذلك باحدي عشر سنة اي في عام ١٩٠١ يتم تأسيس المجلس الملي للطائفة و المجلس الملى هو عبارة عن مجلس ادارة يختص بالنواحى الإدارية و الغير الدينية في حياة الطائفة و قد كان تأسيس المجلس الملي أعظم أثر في تطوير و تحديث مجتمع اليهود القرائين ليس فقط ابناء العائلات الكبري مثل عائلة مسعوده بل امتدت الحداثة الي الطبقات الفقيرة من ابناء الطائفة من اولاد هؤلاء الاطفال الفقراء الذين التحقوا بورش الذهب في الصاغة و الذين حرصوا بعد ان كبروا ان يعلموا اطفالهم فظهر من بين ابنائها الأطباء والمحامون وأساتذة الجامعة و الكثير ممن تصدروا المشهد الثقافي و الادبي في مصر أما العائلات الكبري فقط اهدت اليهم الحرب العالمية الثانية أكبر هدية جعلهم يستطعون الحفاظ باعلي الفارق الطبقي ففي خضم تلك الحرب أعلنت بريطانيا حظر بيع
وشراء الذهب داخل دول الحلفاء ولم تكن مصر مشمولة بذلك الحظر…. وهنا اصبح سوق الصاغة الموسكي التي تسيطر عليه الطائفة القرائية هو المنفذ الوحيد لكل جنود الحلفاء الذين تجمعوا على الأراضى المصرية (أكثر من ٥ مليون جندي) لشراء الذهب … و قد احدث هذا الحدث في تعزيز ثروات اصحاب هذه التجارة بل انهم استطاعوا مساعدة كل اليهود الهاربين من جحيم الحرب في اوروبا و الذين اتخذوا مصر قاعدة إتصال و ترانزيت قبل ان يذهبوا للاستقرار فى فلسطين و اعلان دولتهم المزعومة بعد انتهاء الحرب. و قد استغل المجلس الملي و عائلة مسعوده هذا الحدث جيداِ من اجل ابناء الطائفة فاستطاعوا توفير كل الماديات اللازمة لمشروع معبدهم الكبير "موسى الدرعى ”بالعباسية و هذا المعبد كانت فكرة بناءه قد سبقت تأسيس المجلي الملي بعام اي عام ١٩٠٠ و بدأن بتبرع من سيدة من سيدات الطائفة أسمها سته الماسفى بقطعة ارض في ٢٥ شارع سبيل الخازندار (شارع احمد سعيد بالعباسية الآن) و تبرعت ايضاً بمبلغ كبير من المال لبناء هذا المعبد و الذي تم الانتهاء من بناءه في عام ١٩٢٥ و قد أُطلق عليه معبد موسى الدرعي نسبة لشاعر يهودي مشهور و علي هذا النحو استمروا فى العمل على تحديث و تطوير
مجتمعهم في مصر دون أى تفكير جدى أو حقيقى فى الهجرة الي دويلة الكيان الصهيوني المزعم إعلانها و ما ان تم اعلانها
و جاءت حرب ١٩٤٨ فبدات سلسلة من التفجيرات تقع في حارة اليهود القرائين و في محلات الصاغة في الموسكي و كانت عمليات التفجير هذه تقوم بها فرق تخريبية خاصة تابع للكيان الصهيوني و قد بلغ عدد هذه التفجيرات في عام ١٩٤٨ فقط خمس تفجيرات و كانت الحوادث كالتالي
- تم زرع القنبلة الأولى في ٢٠ يونيو ١٩٤٨ في حارة اليهود القرائين في الموسكي بالقاهرة و كانت خسائر عملية التفجير هذه هي مقتل ٢٢يهودياً و جرح ٤١. و قد تم تنفيذ هذه العملية خلال مرحلة الهدنة الأولى من الحرب العربية الإسرائيلية عام ١٩٤٨ و ألقت السلطات باللوم في الانفجار في البداية على الألعاب النارية المخزنة في منازل اليهود و التي يبيعونها في اسواق الموسكي ثم سرعان ما اوجدت السلطات المصرية سبب آخر للحادث زعمت فيه ان ما حدث كان عملية اقتتال بين اليهود القرائين واليهود الربانيين بسبب الخلافات المذهبية بينهم و كان هذا ادعاء سخيف و غبي جداً
بعد حوالي
أربعة أسابيع و تحديداً في ١٥ يوليو قامت ثلاث طائرات من طراز بي-١٧ من السرب ٦٩ التابع لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف الحي السكني بالقرب من قصر عابدين في القاهرة، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين المصريين و تدمير الكثير من المنازل و قد وقع الهجوم أثناء وقت الإفطار في شهر رمضان المبارك ، مما زاد من غضب أهالي الضحايا و الذين بدأوا مسيرة غاضبة تحولت الي مظاهرة عفوية اتجهت الي الحي اليهودي في الموسكي. و أستغلت السلطات المصرية الحدث بشكل عجيب حيث افادت النشرات الاذاعية عن هجوم إسرائيلي محتمل على القاهرة ، رغم أنه كان بمثابة إنذار كاذب و هو ما أثار الغضب في الشارع المصري
بعد يومين آخرين اي في ١٩ يوليو ١٩٤٨ ، انفجرت عدة قنابل تم وضعها في عدد من متاجر المملوكة لليهود و هو الامر الذي بدا و كأنه عمليات انتقامية قام بها مصريون بينهم هي قيدت ضد مجهول ثم جاء يوم ٢٨ يوليو ١٩٤٨ فتجددت و تواصلت سلسلة الانفجارات حيث انفجرت قنابل وضعت في محل سيكوريل و محل عدس و محل جاتينيوه و محل أوريكو و هي كلها محلات مملوكة ليهود ايضاً
و في ٢٢ سبتمبر ، بعد خمسة أيام من اغتيال وسيط الأمم المتحدة الدبلوماسي السويدي و حفيد أوسكار الثاني الذي كان ملك السويد والنرويج الكونت فولك برنادوت في القدس علي يد إسحاق شامير الذي اصبح فيما بعد رئيس وزراء اسرائيل في التسعينيات و قبلها ترأس الكنيست الاسرائيلي في فترة السبعينيات و خلال فترة زيارة انور السادات للكيان الصهيوني و لكنه في طلك الوقت كان عضو في منظمة ليحي او شتيرن الصهيونية الارهابية و علي الرغم من صدور أمر باعتقال شامير إلا أنه لم يعتقل ولم تتهمه المحكمة بهذه الجريمة على عكس عدد كبير من أعضاء منظمة ليحاي الذين اعتقلوا على خلفية هذه الجريمة. وفي استجوابه حول تورطه في مقتل الحاكم السويدي اكتفى شامير بالإشادة بمن اتخذ قرار تنفيذ مثل هذه العملية كما أكد عدم معارضته لهذه العملية. وقع انفجار ضخم في قلب حارة اليهود في الموسكي قُتل فيه ١٩ يهوديًا وأصيب ٦٢ آخرون و هنا ظهر بوضوح سبب تعمد الحكومة اثارة الشارع المصري
في 12 نوفمبر ، بعد فترة وجيزة من الهزيمة المصرية في عملية شمون ، دمرت قنبلة مقر الشركة الشرقية للدعاية ، وهي شركة نشر وإعلان كبيرة
العائلة وعدوان ١٩٥٦
وبدأ الوضع العام لليهود المصريين فى التأرجح، ثم حريق القاهرة وثورة الضباط الأح ارر 5، ثم انقلاب الضباط الأح ارر على رئيسهم محمد نجيب 57، ثم فضيحة لافون وق ار ارت التأميم ثم العدوان الثلاثى عام 5، فى تلك الفترة كانت عائلة "مسعودة" الثرية ترى أن مصالحها واستم اررها فى قيادة مجتمع الطائفة صار من الصعب الجمع بينهما، كما أن مؤسسات الطائفة الق ارئية قد اكتسبت المزيد من القوة الإدارية وتستطيع أن تستمر فى قيادة الطائفة، فتركت الزعامة للسيد "جاك منجوبى" حفيد الحاخام الأكبر "منجوبى"، ورحلت عائلة مسعودة عن السلطة بينما استمر عدد من قيادات الطائفة فى محاولة تسيير أمور
واثناء الظلام الدامس قال الاخ نسيم الذي كان عمره اكثر من ثمانين عاما: - دعنا ننتظر حتي تنتهي الحرب ، وسوف يري هؤلاء المتوحشين المصريون جزاء ما فعلوا ، لقد تحملنا هذه الافكار و الشعارات الوطنية اكثر مما ينبغي.
ورد عليه اخوه ايزاك و كان في الثمانين من عمره: هل يعرف هؤلاء الذين يزعقون انا”اطفئ الانوار” من نحن؟ لقد كان في استطاعتي معاقبتهم بالجلد بالكرابيج و السجن يوما ما( وذلك في اشارة الي علاقته القوية بالملك السابق ) و صاح احد الصغار: آه ، لو كان الملك موجودا. وصاحت الاخت مارتا التي كانت قد تعدت السبعين: نحن في حاجة الي موسي جديد ، اعني بذلك موسي مودرن ، ورجالنا الذي يصلح ان يكون موسي هو فيلي الذي غادرنا العام الماضي الي انجلترا ليعيش بقية عمره.
ثم سآل احدهم : كم من الوقت يكفي لسحق الجيش المصري؟ و اجاب آخر يومين او ثلاثة ، وسوف يستقر الامر خلال بضعة اسابيع كما كان تماماً.
واخذت العائلة كلها تحاول التقاط احدي الموجات القصيرة للاذاعات الاجنبية التي اعلنت احتلال بور سعيد ، وهنا ارتفعت صيحات الفرحة و التهليل من جميع افراد العائلة ، ووقفت الاختان الكبيرتان ترقصان من الفرح علي ضوء الشمعة الوحيدة!! وصاح نسيم : لو كان فيلي معنا لكان فتحج زجاجة شمبانيا. و عندئذ وقف ايزاك صائحا بلغة اللادينو : توقفوا الآن و كفي، ان بيتا ملئ بالخدم العرب ، ونحن لا نعرف مشاعرهم الحقيقة تجاه ما يحدث ، وتجاه شعورنا الظاهر بالفرح
وفي صباح اليوم التالي لبدء الحرب غادر نسيم المنزل الي نادي سموحة للعب الجولف كعادته كل يوم ، و ارسل ايزاك احد الخدم ليشتري له جميع الصحف و المجلات بجميع اللغات ، وبدآت العائلة الكبيرة تعد افطارها الذي وصفه احدهم بانه كان افخم من افطار اعظم فندق في العالم. و علي المائدة سآلت الجدة احد افراد الجيل الثالث: ماذا تريد ان تعمل عندما تكبر؟ فقال: اريد ان اصبح سفيرا. ، فساله العم : و ما البلد الذي ستمثله و تكون سفيره؟ فكانت الاجابة سريعة: فرنسا طبعا. فقال له العم: ولكنك لست فرنسيا! بل تحمل جواز سفر ايطاليا ، و في الحقيقة انك لست ايطاليا ، فانت تركيا !!!
وبما ان جميع افراد العائلة كانوا دائما يتحدثون عن تركيا الدولة التي احتضنتهم لعدة قرون باحتقار شديد ، فقد اهعلن الشاب الصغير انه لا يريد ان يكون سفيرا لتركيا ، و انه سينسي الفكرة من اساسها! و بعد الفطار خرج ايزاك و معه الشاب الصغير اندريه اسيمان الراؤي لهذه القصة لمقابلة اهم سمسار يهودي في البورصة المصرية. وقد كان هذا السمسار هو السمسار الاساسي للاجانب و الاغنياء المصريون ، وكان يسكن في فيلا كبيرة بالقرب من منطقة بولكي بالاسكندرية و كان الغرض من الزيارة تقصي الاخبار تحسبا للمستقبل. و كان رآي السمسار ان الانجليز و الفرنسيين سوف ينسحبون من مصر، و ان جمال عبد الناصر لن يغفر لهم ذلك. و سيكون هناك ثآر من الانجليز و الفرنسيين ، وربما يلي ذلك تآميم ممتلكاتهم ، ثم طرد اليهود انتقاما من هجوم اسرائيل. فاعترض ايزاك قائلا: لكننا لسنا من اسرائيل. فقال السمسار: يمكنك ان تقول ذلك للرئيس عبد الناصر. فعلق ايزاك: هذه الايام من ايام هجوم روميل علي العالمين. وقال ايزاك للسمسار: اذا حدث لي شئ تذكر اسم كراوس في جنيف ، واخي فيلي يعرف في انجلترا. فامسك السمسار علبة سجائر ليكتب عليها الاسم ، فحذره ايزاك ونبهه ان هذه المعلومة لابد ان تبقي في الذاكرة فقط. وفي اليوم التالي ظهر البوليس في شقتهم ليسآل عن شخص كان يرسل اشارات مورس الي السفن في البحر المتوسط ، لكنه تركهم دون ان يفعل شيئا. وقررت الجدة ان العائلة تحتاج الي حظ احسن ، فامرت بوضع منقد الفحم الكبير علي الارض ، و بعد ان اشعلته وضعت عليه البخور ، و كان علي الجميع ان يقفزون فوق المنقد الذي يتصاعد منه البخور ، بدءا بالرجال ثم النساء ثم الخدم. وعاد رجال البوليس مرة اخري في اليوم آخر ، وقالوا ان لديهم دليلا قاطعا علي ان ايزاك يهرب الاموال و المجوهرات الي الخارج و ان اخاه فيلي كان يقوم بذلك لسنوات طوال. و قبض عليه بتهمة خيانة الدولة ، فقال: ان عمري ثمانون عاما. وحاولت اخته ان تقول للشرطة انه لا يمكن القبض عليه، لانه مواطن لدولة اوروبية!! وقال اخوه نسيم : لو سجنتموه فلن يعيش يوما واحدا
وبعد اسبوع من القبض علي ايزاك وصل للعائلة تلغراف من فرنسا و كان الراسل هو ايزاك يخبرهم فيه بوصوله اليها آمنا سالما. وبدآت العائلة مناقشة الهجرة من مصر و التخطيط لها ، و هو ما تحقق علي ارض الواقع لجميع افراد العائلة ماعدا و الد المؤلف الذي كان يملك مصنعا للنسيج يدر عليه ارباحا هائلة ، وكان يود ان يبقي مع عائلته في الاسكندرية ، وفعلا بقي فيها ثمانية سنوات حتي غادرها عام ١٩٦٤ ، و خلال تلك الاعوام تغيرت الاسكندرية ، وتغيرت الحياة في مصر، واممت كلية فيكتوريا التي كان يدرس ابنه( مؤلف الكتاب) فيها ، وتحولت الي كلية النصر و اصبح تدريس اللغة العربية اجباريا فيها ، و اصبح هو اليهودي الوحيد في الفصل ، و كان عليه ان يحفظ آيات من القرآن ضمن دروس اللغة العربية وان يحفظ الآناشيد التي تمجد العرب و تحتقر من اسرائيل ، و بالطبع لا يقارن هذا بما يدرسه الآلاف من التلاميذ العرب في اسرائيل عن تاريخ اسرائيل و امجادها، وتحقير كل ما له علاقة بالعرب ، وكان ابوه مصرا علي ان يستمر في المدرسة ، لانه اذا اراد ان يعيش في مصر في ذلك العصر ، فلابد ان يجيد لغتها ، و قد لاقي الصبي كثيرا من العنت في تلك الفترة ، تارة من المدرسين و تارة من الزملاء حتي رضخ ابوه و نقله الي المدرسة الامريكية ، التي لم تكن اللغة العربية اجبارية فيها. واضطر ابوه الي ان يغادر مصر نهائيا بعد ان اممت املاكه بعد ذلك.
ويذكر الكاتب انه اثناء زيارة الي المقابر اليهودية بالاسكندرية في يوم كيبور و كانوا يخططون لترك مصر ، قال له ابوه: انه من المحزن ان نترك احباءنا في قبورهم يتقلبون ، علي حين نخطط نحن للمغادرة ، و لعلهم يسالوننا لاماذا جئنا في المقام الاول و نحن نكره هذا البلد الذي دفنوننا فيه؟
واعتقد ان الكاتب كان امينا في رواية الاحداث الحقيقة التي مرت بعائلته، وحاول جمع المعلومات و مقابلة الاحياء لاستكمال الاحداث ، و لم يحاول ان يجمل الشخصية اليهودية ، بل اظهر بوضوح ان الجميع لم يحب مصرنا و لا شعبنا و انما احب اسكندريتهم و بحرها و جمالها. و الكتاب يعطي انطباعا واضحا بان مصر كان فيها دولتان ، احداهما للمصريين و الاخري للاجانب، و من خلال صفحات هذا الكتاب و التي تقترب من الثلاثمائة صفحة ، و تغطي اكثر من خمسين عاما من تاريخ مصر في القرن العشرين ، لم نقرآ عن حدث واحد مثل ثورة ١٩١٩ او مظاهرات ١٩٣٥ او التغيرات السياسية النتلاحقة ، و لم يذكر اسم زعيم او وزير مصري واحد ، و لا اسم كاتب او اديب او فنان مصري ، و لا حتي راقصة مصرية. فالكتاب ملئ باسماء و شخصيات كلها اجنبية ، اما الاسماء المصرية الكثيرة ، فهي فقط اسما الخدم بانواعه كافة. و قد قالت الجدة في كلمتها احتفالا بعيد ميلادها المئوي انها تعرف خمسين كلمة عربية ، بمعدل كلمة عن كل سنة اقامتها في مصر، و بالرغم من ان هذه العائلة لم تذهب الي اسرائيل ، الا ان زعيمهم العم فيلي المقيم بانجلترا كان يستمع كل ليلة لمدة ساعة كاملة الي نشرة الاخبار بالفرنسية من محطة اسرائيل. و كان العم ايزاك يتعلم العبرية الدارجة و هو في الثمانين من عمره ، لانه يتمني ان يموت باسرائيل
ولا يمكن الاعتقاد بان معاناة تلميذ يهودي واحد-بسبب دراسته لتاريخ الشرق الاوسط من وجهة النظر المصرية التي تدين اسرائيل- يسبب الكوارث التي سببتها اسرائيل لمصر و المنطقة من حولها ، فهي مختلفة عن معاناة آلاف التلاميذ الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ، عندما يقرآون التاريخ الذي يمجد اسرائيل و لا يعترف بآي حقوق للعرب
ولا يمكن الاعتقاد بان معاناة تلميذ يهودي واحد-بسبب دراسته لتاريخ الشرق الاوسط من وجهة النظر المصرية التي تدين اسرائيل- يسبب الكوارث التي سببتها اسرائيل لمصر و المنطقة من حولها ، فهي مختلفة عن معاناة آلاف التلاميذ الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ، عندما يقرآون التاريخ الذي يمجد اسرائيل و لا يعترف بآي حقوق للعرب.
ويوضح الكتاب ان معظم الاجانب و اليهود الذين هاجروا الي الاسكندرية كانوا فقراء في اوروبا ، وبعد فترة وجيزة من هجرتهم الي مصر اصبحوا يعيشون حياة رغدة ، ومنهم من ربح امولا طائلة ، و لم يشعر اي منهم -بآستثناء بعض اليونانيين- ان هذا الوطن يمكن ان يكون وطنهم الدائم ، و ان يندمجوا فيه و يتعلموا لغته. وحقيقة الامر انه عندما اممت ممتلكات الاجانب اليهود ، كان ذلك جزاءا من سلسلة تآميمات سياسية للدولة ، وطالت الاغنياء المصريين ايضا في قطاعات الصناعة و التجارة و الزراعة. وعندما هاجرت العائلة الي اوروبا مرة اخري ، و استوطن معظمهم في فرنسا اصبحت حياتهم بسيطة في شقق صغيرة بدون الخدم والحشم و الطباخين و السائقين
ويوضح الكتاب ان معظم الاجانب و اليهود الذين هاجروا الي الاسكندرية كانوا فقراء في اوروبا ، وبعد فترة وجيزة من هجرتهم الي مصر اصبحوا يعيشون حياة رغدة ، ومنهم من ربح امولا طائلة ، و لم يشعر اي منهم -بآستثناء بعض اليونانيين- ان هذا الوطن يمكن ان يكون وطنهم الدائم ، و ان يندمجوا فيه و يتعلموا لغته. وحقيقة الامر انه عندما اممت ممتلكات الاجانب اليهود ، كان ذلك جزاءا من سلسلة تآميمات سياسية للدولة ، وطالت الاغنياء المصريين ايضا في قطاعات الصناعة و التجارة و الزراعة. وعندما هاجرت العائلة الي اوروبا مرة اخري ، و استوطن معظمهم في فرنسا اصبحت حياتهم بسيطة في شقق صغيرة بدون الخدم والحشم و الطباخين و السائقين
عندما يستعرض الجيش قواته أكثر من 6 أشهر، ولا يقوم بمهاجمة العدو، نعرف أنه يشكل خطرا على شعبه
أدولف هتلر
اقرأ ايضاً: ملف صفقة القرن - رؤية مختلفة
لا شك ان صفقة القرن هو حدث صادم و اصاب الناس بالحزن و الغضب و هو ما جعل الكثيرون يكتبون عنها او يحللون الأحداث طبقاً لما ظاهر لهم و متوافر لهم من اخبار و تطورات في الأحداث. في هذه السلسلة سنبدأ في الحديث عن صفقة القرن من رؤية مختلفة حيث ان خطورتها اكبر مما نتخيله او يُطرح علينا من رؤي و تحليلات ، فصفقة القرن قد تنتهي بسقوط عدد من الدول العربية و انظمتها او ان تكون بدأية النهاية لاسرائيل نفسها التي تحلم باعتراف العالم بيهودية دولتهم المزعومة، و لعل اكثر هذه الدولة المهددة بالانهيار هي الأردن و الإمارات و السعودية و مصر و عمان و من هذا المنطلق سنتحدث عن الكثير من الوقائع و الأحداث التي وقعت و لها علاقة بصفقة القرن........فتابع معنا هذا الملف